الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
حاضرنا هو نتيجة قراراتنا في الأمس, ولذلك نرى اختلافات الحاضر من شخص إلى آخر ونعتبر ذلك أمراً منطقياً.
ولكن مايستحق التفكير هو أن معطيات الماضي ليست بالعادة متوافقة مع الحاضر, بعض مماً كان لديه معطيات جيدة في الماضي حاضرهم لم يكن كما كان متوقعاً, والعكس كذلك مع بعض من كانت معطياته متواضعة والان ينعم بحاضر أكثر نجاحاً مما كان يتنبأ له.
إذاً القدرة على القراءة الصحيحة للمستقبل هي الفارق ومن تجعلنا دائماً في المقدمة, لا المعطيات والمنطق.
أغلق خام برنت بالأمس فوق مستويات الستين دولاراً للبرميل للمرة الأولى من شهر يناير 2020 أي قبل أن ينتشر فايروس كوفيد-19 وتعلن منظمة الصحة العالمية عن الجائحة.
المنطق يقول إننا وصلنا الى أسعار ما قبل الجائحة وبالتالي بكل تأكيد زالت العوامل السلبية التي جلبتها الأزمة وعادت الصناعة إلى سابق عهدها.
ولكن الواقع كما هو عادتً لا يتوافق مع المنطق, لا زالت الصناعة بعيدة عن سابق عهدها وحتى وأن تجاوزنا الكثير من العقبات إلا أن عوامل سلبية كثيرة لازالت قائمة.
الطلب على النفط, يحاول التعافي والعودة مدفوعاً من الشرق, ولكن الخوف من موجة ثانية للفايروس والاغلاقات في اكثر من مكان في العالم تضغط عليه سلبياً.
إذاُ كيف أصبحت الأسعار أكثر تعافياً من الصناعة ذاتها.
في بداية العام 2021 ومع أنتشار اللقاحات المضادة للفايروس, كانت منظمة أوبك ودول اتفاق أوبك بلس تستعد لإعادة مليون وخمسمائة الف برميل يومياً كما كان متفقاً عليه سابقاً, إستناداً على المعطيات التي تشير أغلبها إلى زوال الجائحة وعودة الحياة إلى طبيعتها.
ولكن فاجأت المملكة العربية السعودية ممثلة بسمو وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان, بقراءة مختلفة لتحركات السوق عن الجميع وقرارها بخفض طوعي قدرة مليون برميل يومياً (في شهري فبراير ومارس) بشرط خفض بقية الأعضاء أربعمائة ألف برميل وأبقاء روسيا وكازاخستان زيادة إنتاجهما عند حد 75 ألف برميل يومياً.
كان هذا القرار يحارب ويشيطن من الكثير, ويصفونه في بعض الأحيان أنه قرار سياسي وليس اقتصادي, فقط للنيل من هذه القراءة المختلفة للأسواق ومحاولة التشكيك في قدرة المملكة على إدارة الأزمة, وأنها سوف تخسر إيرادات كبيرة بسبب هذا القرار, وسوف تشجع الدول الأعضاء في اتفاق اوبك بلس على عدم الالتزام بالحصص المخصصة لكل دولة.
وبغض النظر عن ما تعكسه الأسعار بعد شهر من القرار, أرى أنه قرار صائب وموفق للأسباب التالية:
القرار كان فنياً بحتاً والدليل أن تحركات السوق الان تتوافق مع قراءة وزارة الطاقة السعودية حيث أن الأسواق لازالت تعاني وأصبحت في وضع أكثر ضبابية عما كانت عليه وقت اتخاذ القرار.
أثبتت المملكة دورها القيادي واستعداداتها التحرك باستقلالية للمحافظة على توازن الأسواق ومصلحة الجميع إذا ما دعت الظروف لذلك, حيث تبينت الرؤى المختلفة للسعر المناسب للنفط بين روسيا والمملكة. حيث ترى روسيا من منطلق مصلحة خاصة بقاء الأسعار بين 45 و 55 دولارا للبرميل لمحاربة البترول الصخري الامريكي وبالتالي استعادة حصتها في أوروبا والتي كانت تشكل 76% من مجموع الصادرات الروسية, والتي بدورها عانت بين عامي 2016 و 2020 حيث انخفضت الصادرات الروسية الى أوروبا بمعدل 282 الف برميل يوميا, فيما ارتفعت صادرات النفط الامريكي الى اوروبا خلال نفس الفترة لتصل الى 349 ألف برميل يوميا, بعد ما كانت عند 23 ألف برميل يوميا في عام 2016 (تقريرFeb 2021 OIES).
*الأعلان عن الخفض الطوعي كان بطريقة ذكية جداُ, حيث أعلنت المملكة عن التخفيض في بداية يناير على أن يدخل حيز التنفيذ في فبراير, ومن يوم الأول بعد الإعلان اتخذت الأسعار بالارتفاع مما ساهم بارتفاع متوسط الأٍسعار في شهر يناير قرابة الخمسة دولارات للبرميل مع استمرار المملكة بنفس مستويات الانتاج وهذه تعد ايرادات اضافية ساهم في جلبها الذكاء في الأعلان والقراءة الصحيحة لردت فعل السوق. أما بخصوص خسارة ايرادات كبيرة بسبب خفض الإنتاج الطوعي فأعتقد أن بمقارنة بسيطة بين السيناريوهات, نعلم أن السيناريو الأول واعادة مليون وخمسمائة برميل للأسواق سوف يسبب انخفاض للأسعار الى ما تحت الخمسين دولار للبرميل وبالتالي انخفاض في إيرادات الجميع, أما مع السيناريو الثاني نرى ان المملكة والدول المنتجة تحقق إيرادات جيدة وتخلق توازن واستقرار للسوق.
*أما امتثال الدول الأعضاء في اتفاق اوبك بلس, لدينا مثال سابق عندما قدمت الكويت والإمارات والسعودية تخفيضاً طوعي مشابه وكان التزام دول أوبك بلس بالاتفاق قريبا من 100% لذلك لا خوف من هذا الأمر أعتقد أن جميع الدول الأعضاء في الاتفاق على وعي ومعرفة بأن المملكة تعمل لمصلحة الجميع وتخفيضها كان مشروطاً بإلتزام الآخرين, وعندها القدرة الى رفع الإنتاج لمستويات يصبح الجميع خاسراُ.
انتقلت منظمة أوبك والدول الأعضاء في اتفاق أوبك بلس من ادارة الأزمة باحترافية عالية إلى القراءة المتميزة لمستقبل الأسواق وردت فعلها, وهذا ما حولنا من بناء حاضر متميز فقط الى أن نسبق الحاضر بخطوة.
قرار الخفض الطوعي من المملكة فتح لها خيارات أكثر في تعاملها مع تغيرات السوق في المستقبل, وأُثبتت فيه المملكة انها المنتج المرجح في هذه الصناعة ولا أحد قادر على لعب هذا الدور غيرها, ولكن اليوم بشكل احدث وجديد وهو وجود تكاتف من الجميع.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال