3666 144 055
[email protected]
بدءًا، يهيب بي أن أتقدَّم بوافر تقديري لمعاليكم، وأثني على الأداء المتميِّز للمؤسَّسات الماليَّة والاقتصاديَّة الرسمية السعوديَّة التي بتوجيهاتكم وقيادتكم الفاعلة، تمكَّنت من الحدِّ من آثار الصدمات التي تعرَّض لها اقتصاد المملكة خلال العام المنصرم، ومن تخفيف تداعياتها على أفراد المجتع، وكذلك نجاحها في ضمان انسياب دورة الاقتصاد السعودي وفعاليَّتها.
لمجابهة تداعيات الجائحة اقتصاديًّا وماليًّا واجتماعيًّا، فقد سارعت الحكومة ومؤسَّساتها الماليَّة والاقتصاديَّة مبكِّرًا إلى اعتماد جملة إجراءات ماليَّة ونقديَّة. وأطلقت برنامج التحفيز الاقتصادي والدعم الاجتماعي الشامل، لتعزيز الطاقة الإنتاجيَّة ودعم القوَّة الشرائيَّة، وإسناد البنوك المحليَّة، ومنح الشركات الصغيرة والمتوسِّطة قروضًا وتسهيلاتٍ ائتمانيَّة جديدة، بالإضافة إلى تأجيل استحصالات الضريبة والرسوم الحكوميَّة.
معالي الوزير، لا يخفى على معاليكم، أنَّ إبَّان الأزمات الاقتصاديَّة الحادَّة كالتي يمرُّ بها الاقتصاد العالمي والاقتصاديَّات الوطنيَّة حاليًّا، يتطلَّع المستهلكون والشـركات الخاصَّة إلى التدخُّل الحكومي كقوَّة فعَّالة، وربمَّا الوحيدة القادرة على إنعاش الاقتصاد، ولتوظيف السياسة الماليَّة، وزيادة الإنفاق الحكومي بشكل مخطَّط ومتوازنٍ لتحفيِز الطلب الكلِّي على السلع والخدمات، ورفع مستويات الاستخدام والدخل الكلِّي وزيادة الناتج المحلِّي الإجمالي.
ما يقلق، أنَّ ثمَّة العديد من المؤشِّرات الدَّالة على احتمال استمرار التأثير السلبي للجائحة في الاقتصاد العالمي، وعدم وجود أدلَّة علميَّة قاطعة على توقيت زوالها، وقد يعني هذا استمرار تداعياتها الماليَّة والاقتصاديَّة. لذا يتطلَّب الأمر التفكير في آليات مواجهة جديدة لدعم الاقتصاد الوطني. هنا أطرح المقترحات العمليَّة والمرحليَّة التالية:
أوَّلًا؛ خفض نسبة ضريبة القيمة المضافة، وجعلها اثني عشر من المئة، لرفع حجم الإنفاقين الاستهلاكي والاستثماري، وزيادة الطلب الكلِّي على السلع والخدمات.
ثانيًا؛ منح المواطنين السعوديِّين الذين تجاوزت أعمارهم الستِّين عامًا هبة ماليَّة قدرها ثلاثة آلاف – (3000)ريال سعودي، شرط إنفاقها على السلع الاستهلاكيَّة داخل المملكة، وخلال مدَّة ثلاثة أشهر من تاريخ استلام الهبة. عدد أفراد هذه الشريحة العمريَّة حاليًّا يقارب ” 1.4 ” مليون فردٍ، وفقا للتقديرات الاحصائية المتوفرة ، وتكلفة البرنامج قد تقترب من ” 4.2 ” مليارريال سعودي.
ثالثًا، منح المواطنين من الفئات العمريَّة التي تقلُّ أعمارهم عن الثمانية عشر عامًا منحة ماليَّة قدرها ألفي- 2000 ريال سعودي، شرط إنفاقها على السلع الاستهلاكيَّة داخل المملكة، خلال مدَّة ثلاثة أشهرمن تاريخ استلام الهبة. عدد أفراد هذه الشريحة العمريَّة حاليًّا يقارب ” 8.1 ” مليون فرد وفقا للتقديرات الاحصائية المتوفرة ، وتكلفة البرنامج قد تقترب من ” 16.1 ” مليار ريال سعودي.
التركيز على الفئتين العمرَّيتين المذكورتين منطلق من تدنِّي دخولهم، أو انعدامها، وتواضع مستوى استهلاكهم. منافع هذه المنح لا تنحصر في القيمة الانسانية للدعم الاجتماعي ، بل من تأثيرها المباشر والفاعل في مستوى الاستهلاك والطلب الكلِّي ونمو الاقتصاد. كما ان جانب من كلفة المنح سيتم استرداده لاحقا من خلال ضريبة القيمة المضافة المفروضة على الاستهلاك . للمنح ايضا تاثيرايجابي مباشر على الناتج المحلي الاجمالي عبر آلية مضاعف الانفاق الحكومي.
لقد سبق لدول عديدة أن تبنَّت برامج تحفيزيَّة مماثلة. الحكومة اليابانيَّة – على سبيل المثال- وضمن خطَّة للخروج من أزمتها الاقتصاديَّة في بداية التسعينيَّات من القرن الماضي، قدَّمت للمتقاعدين وكبارالسنِّ من المواطنين هبات ماليَّة لزيادة مستوى الاستهلاك والطلب على السلع والخدمات. كذلك، منحت الحكومة الألمانيَّة قبل أشهر مبلغ “ثلاث مئة يورو” لكلِّ طفل في ألمانيا، ضمن خطَّة تحفيز الاستهلاك، وتخفيف أعباء الجائحة على الأسرالألمانيَّة.
رابعًا، إصدارسندات حكوميَّة، قد تسمَّى “سندات دعم الاقتصاد الوطني”، بأسعار فائدة تحفيزيَّة لغرض تغطية النفقات المترتِّبة عن المقترحات الثلاثة أعلاه، واستقطاب الادِّخارات الفردية وتحويلها إلى استثمار وطني.
المقترحات المقدَّمة، قد تسهم في ردم الفجوة الاستهلاكيَّة، وتنشيط الاستهلاك والإنتاج، وتقليص معدَّل البطالة وزيادة الدخل الكلي.
الاقتصاد السعودي، بما يمتلك من قدرات اقتصاديَّة وموارد ماليَّة وطاقات بشريَّة شابَّة ومنتجة، وقيادة فعَّالة عازمة على مواصلة برامج البناء والتطوُّر والتحوُّلات الهيكليَّة الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة، قادر على تجاوز تحدِّيات الأزمة الراهنة.
هذا ليس رأيًا متفائلًا، بقدر ما هو تقدير مَبْنٍ على تحليل مكامن قوَّة الاقتصاد السعودي، وتشخيص آفاقه المستقبليَّة.
وفقكم الله وسدد خطاكم ورعاكم ،مع وافر التقدير
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734