الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في المقال السابق، تحدثت عن مفهوم المدن بشكل عام، وذكرت أنها هي تجمع مجموعة البشر على أرض ذات حدود مرسومة ومعروفة. لكن عند الحديث عن المدن الاقتصادية، فنحن لا نتحدث عن المدن التقليدية التي تنشأ بحكم الوقت والزمان، وإنما نتحدث عن صناعة مدينة ذات إنتاج اقتصادي عالي وبيئة استثمارية خصبة في وقت قصير وفقا لخطة واستراتيجية مرسومة لتحقيق هذا الهدف.
وغالبا ما تطمح المدن الاقتصادية الى رفع عدد سكانها وزيادة مساحتها وتطوير شبكة المواصلات بها وجعلها مساهمة بشكل فاعل وكبير في اقتصاد الدولة. في الماضي، كان التركيز في صناعة المدن الاقتصادية من خلال جعلها مدن صناعية، مثل مدينة ديترويت.
مثل هذه المدن الصناعية، في زمنها كان النمو الاقتصادي و البشري بها عالي جدا، ولكن سرعان ما تباطأ هذا النمو والسبب ان الاعتماد فيها على تكنولوجيا التصنيع. بالطبع التكنولوجيا هي ركيزة من ركائز حياتنا اليوم، ولكن ما أعنيه هنا المدن التي تقوم على اساس صناعة معينة، قد تخفت بمجرد بروز صناعات أكثر تقدما منها. مثلا، أصبح الاعتماد تكنولوجيا إنتاج الصلب أقل مع دخول أنواع اخرى من المعادن والسبائك و مواد اخرى بديلة للحديد إلى السوق مما ادى الى انخفاض الطلب عليه، وبالتالي، انخفض النمو الاقتصادي في المدن الصناعية المتخصصة بإنتاج الصلب ، مثل بيتسبرغ إلى إيسن في ألمانيا، وبرمنغهام في المملكة المتحدة، والأمثلة على ذلك كثيرة. لذلك، تم إدخال مفهوم اقتصاد المعرفة الى بناء المدن الاقتصادية.
يقصد باقتصاد المعرفة هنا، هو الاقتصاد المبني على نظام الإنتاج والاستهلاك الذي يقوم على رأس المال الفكري. بمعنى آخر، هو القدرة على الاستفادة من الاكتشافات العلمية والبحوث الأساسية والتطبيقية بشكل ينهض باقتصاد المدينة بأقل التكاليف. وهذا ماتقوم عليه اقتصاديات معظم المدن الاقتصادية الحديثة. فهي تعمل على رفع معدل المعرفة والعلم وانشاء مراكز الأبحاث المتخصصة في مختلف المجالات، لذلك، نص تقرير لجنة الأمم المتحدة تحقيق التنمية المستدامة عن طريق العلم والتكنولوجيا إلى حاجة الدول ومدنها الاقتصادية الى العمل بشكل متعاون وجماعي لرسم الاستراتيجيات التي تتناسب مع ظروف الدولة ومدنها، وليس فقط تطبيقا لتجارب دول أخرى تكللت بالنجاح.فلابد من وضع السياسات الوطنية والاستراتيجيات الفعالة في مجال استغلال العلم بمختلف أشكاله والتكنلوجيا لصنع مدن اقتصادية ناجحة و بمعدل نمو جيد. بالطبع في المملكة لديها ما يسمى بالمخطط الاستراتيجي الشامل للمدن، ومنها المخطط الاستراتيجي الشامل لمدينة الرياض و الموجود على موقع الهيئة الملكية لمدينة الرياض. ولاشك، أن مدينة الرياض نمت بشكل ملحوظ في الفترة الاخيرة، وبالتأكيد سيزداد هذا النمو في المستقبل القريب وفقا للخطة الاستراتيجية. لكن، كيف يمكن أن نجعل هذا النمو الاقتصادي يأخذ مسارا تصاعديا من دون استغلال العلم بمختلف أشكاله. باعتقادي، ان الخطط الاستراتيجية الشاملة، يجب أن ترسم مسارا واضحا ومعدا من قبل مختصين حقيقين لاكتشاف الخبرات والكفاءات الوطنية واستقطابها من مختلف مناطق الدولة وتطويرها، بالإضافة الى استقطاب علماء وباحثين عالميين لتدريب الكفاءات الوطنية، وإنشاء مراكز أبحاث تدرس مختلف العلوم. ففي النهاية، نحن نحتاج الى إنشاء مدن اقتصادية لا يخبأ نجمها مع مرور الوقت، وإنما تتطور وتزداد تألقا ونجاحا لتكون مثالا عالميا، وهذا لا يمكن ان يحدث الا بتسخير العلم وإعداد علماء من بني الوطن ليستمر توقد الشعلة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال