الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
قال تعالى في كتابه الكريم نعياً لرسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم و تبياناً لسنة الحياة و نظامها : “انك ميت وانهم ميتون” فالموت هو المصير الحتمي و المرحلة التالية لدنيانا المؤقتة. و كم فقدنا نحن الأحياء من أحباءنا ممن غادرونا – رحمهم الله جميعا و جمعنا بهم في فردوسه الاعلى – الذين قد ميز الخالق بعضهم عن بعض، و منهم الفرسان، الذين لم يبلغوا هذي المرتبة – قبل ترجلهم – الا بعد عمرٍ مضنٍ و شيخوخة و نضال طويل في دهاليز الدهر، وليس منهم الفتية الا ما ندر طوال التاريخ.
فكثيراً ما تتردد في أذهاننا عبارة “ليس الفتى من قال هذا أبي ولكن الفتى من قال هذا أنا” و نستحضرها في مجالسنا حينما نود سرد موعظة أو المشاركة في نقاشٍ استنهاضي، و أكاد اجزم بأن الكثير منا – و أنا أولهم- مهما حاولوا بلوغها إلا أن هناك مسافة مستبقية تحول عنها، مما يبقي الحماسة في النفوس لبذل الجهد في السعي نحوها و كأننا كمثل “عطشان يلهث نحو سراب”.
و ثلةٌ قليلةٌ في هذه الحياة الدنيا، ممن أكرمهم الله لبلوغها – فضلاً و منةً من لدنه- بل و باستمرار نضالهم رغم بلوغهم للمرام، تُخلد أسماءهم في صفحات التاريخ الإنساني محققين المجد الشخصي الإستثنائي و علاوةً عليها يصبحون منارةً اجتماعيةً وهاجة تضيء من حولها بنورها المشع. حتى تُكوّن نموذجاً مثالياً للإنتاج و المشاركة و العطاء مما يخلق قيمة اجتماعية مضافة يصعب تجاهلها.
محمد الخميس، ابن “عصام ” و حفيد الشيخ الأديب الأريب/ عبدالله بن خميس – الذي بلغت شهرته الافاق – رحمهم الله جميعاً و غفر لهم، لم يقل قط هذا أبي بل قال دوماً بثقة و فخر “هذا أنا”.
“محمد” الانسان، الشاب ، المهذب، الكريم، المتعلم، الشغوف، الفارس … و لن تسع الجمل أو الكلمات ولا حتى الحروف ذكر أوصافه مهما طغى حبرها. لم يهدأ سيفه الذي لم يعانق غمده منذ ان سله مبتدأً طريق السعي و النضال نحو العلم و المعرفة و مشاركتها. كأنه “عامل بئر” يستقي و ينهل منه و يُسقي أهل قريته بمودة و حب خالص بل و يعتنقه مبدأً و يراه واجباً أساسياً. حتى امتد الى إعانة من ينافسه في السقاية ايماناً منه بمبدأ التكاتف و ادراكاً بحاجة أهل القرية الى السُقيا بغض النظر عن ماهية الساقي، حتى ترجل و فقده و نعاه و ترحم عليه أهل قريته بل و جميع أهل القرى الأخرى.
فمحمد زاملته مزاملة بسيطة – لكنها تركت أثراً عميقاً بي – عرفته فيها ممتناً و مضيافاً و منافساً و سقاني بشهامته و محبته من خلال بعض المواقف التي لا أستطيع تجاوزها، منها:
١- محمد الممتن: زارني هو و رفيق دربه الأخ/ عبدالعزيز العدواني بمكتبي قبل عدة سنين لرغبتهم بالحصول على خدمة تقنية تقدمها الشركة التي كنت أرأسها وهي لازمة لبدأ عمل شركتهم الناشئة فلما حصلوا عليها أمطروني بالامتنان السخي رغم انها كانت حقاً لهم ولجميع الشركات الأخرى العاملة بالمجال المالي. فأنا لم أقدم الا واجبي المهني ولكن امتنانهم كان عظيما و دائما ما يذكروني به – رغم عدم استحقاقي له – حتى وقت قريب تواصل معي محمد للسلام و استحضرها كأنها معروفاً ولم تكن كذلك أبداً. فالممتنون يرون الواجب معروفاً و لا يكفون شكرا.
٢- محمد المضياف: في احدى الليالي الجميلة و قبل بدء الجائحة بأيام، دعاني الى مجلسه العامر بالعمارية الذي كان مليئا على بكرة أبيه من نخبة شباب الوطن الريادي، و أكرمنا أي كرم باستقباله و مودته و علمه و نقاشه الثري و مائدته الوافرة و كان هو و أخيه و قرابته الطيبة في كل اللحظات تملؤهم البساطة و الابتسامة النقية و البشاشة المضيافة و التفاني في خدمة جميع المدعوين كأنهم أمراء رغم انه كان الأمير “فأمير القوم خادمهم”.
٣- محمد المنافس: في احدى الايام تواصل معي فرحاً و مهئناً لي بحصول شركتنا الناشئة المنافسة لشركتهم على الترخيص، و قد أضج الحديث دعاءاً و أمنياتً حارة بالتوفيق حتى ملأني يقيناً بصدقه و طهره النادر و نيته الطيبة و محبته الفياضة للجميع، فقد كان مؤمنا بأن الكون و خيره يتسع الجميع. وأن السعادة لا تتحقق الا بنجاح الجميع. وهذه من صفات المؤمن الحق الذي يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
هذا غيض من فيض عن هذا المحمد، الذي لم يدخر لحظة وهو الذي لم يبلغ الثلاثين ربيعاً الا و قد شارك من حوله بما حباه الله من محبةٍ و طهر و خُلق حسن و تواضع جم و أدب و علم و معرفة. حتى استحق باستحقاقٍ منقطع النظير و بشهادة جميع أطياف مجتمعه (أهل قريته و أهل القرى الأخرى)، بنعيهم و بدعاؤهم له، لقب “الفارس” وهو من الفتية.
ولا يسعني إلا التضرع و الإبتهال للمولى عز و جل بأن يغفر له و يرحمه رحمة واسعه و يتقبله قبولاً حسناً و يجمعنا به في فردوسه الأعلى و أن يربط على قلوب والدته و أهله و أصدقائه و محبيه و أن يلهمهم الصبر و السلوان .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال