الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
ما يكاد يخرج الاقتصاد الكلي من أزمة حتى يدخل في أزمة اخرى اكثر سوءً ، اشبه ما تكون بحالة يطغى عليها الاضطراب ويخلق فجوة تتطلب العمل على إعادة تطوير نظرية الاقتصاد الكلي واخراجه من سلسلة الازمات والفقاعات الى واقع مختلف اكثر عمقاً واكثر نجاحاً في مواجهة التحديات الجديدة والمتجددة.
المدراس الاقتصادية الحديثة وكذلك المنظمات المتخصصة من حيث التفكير العلمي لا تزال اطروحاتها متباينة ومبادرات الأبحاث الاقتصادية تتطلب الجدية والاستقلالية في انتشال الاقتصاد الكلي من مغبة الفكر التابع لأي مذهب اقتصادي بمرجعية ايدولوجية او تلك التي تستند على النمذجة التقليدية وذلك على نحو من النزعة الحديثة لتكون اكثر ارتباطاً بالجوهر والفكر المنهجي الاصلاحي على نحو من الخلط بين التوازنات المتاحة بالفكر الاقتصادي على مختلف مراحله الزمنية وبين حلول اقتصادية علمية للحالات التي تظهر او تلك التي يُتوقع ظهورها (وزن التأثيرات المحتملة مع المتغيرات الزمانية والمكانية) ومن ثم ربطها بفرضيات السببية والسلوكية كي توصلنا في النهاية الى أُنموذَجاً اساسياً متوازناً تفاؤلياً مع اهمية ان لايبقى ذلك في اطار البحث العلمي بل يتجاوزه الى التطبيق على كافة مكونات النظام الاقتصادي العالمي .
لطالما كانت الفقاعات الاقتصادية والازمات التي عانى منها النظام الاقتصادي سمة من سمات الخلل الذي احدثته تركيبة الاقتصاد الكلي والذي عانى لفترات طويلة ولا يزال بعيداً عن انصهاره بقوة في ثقافة السلوك الاقتصادي بشكل شمولي ثقافةً وتأصيلاً ، لقد حدثت في العام ١٥٩٣ فقاعة التوليب في هولندا عندما كانت وردة واحدة من التوليب تساوي عقارات ومباني وكذلك انهيار سوق وول استريت عام ١٩٢٩ وغيرها الكثير ومع كل فقاعة تحدث يقف نظام الاقتصاد الكلي عاجزا امام امتصاص هذه الصدمات المتباينة الأثر والتأثير ، لذلك تبقى هذه الفقاعات هي الأخطر على الاقتصاد لانها ترتبط فعليا بسلوك الناس فعندما تتضخم الفقاعة يهرع الناس الى التشبث بها والدخول في دوامتها عن طريق الاقتراض والاستقالة من الوظائف بالدخول في هذا العالم الجديد وعندما تنفجر تحدث الخسائر وفقدان خطوط العودة وتنخفض النواتج المحلية الإجمالية وتحل فترة من الكساد الاقتصادي في تلك المجتمعات ناهيك عن الازمات الاقتصادية الأخرى وكذلك المرتبطة بالاوبئة .
الاقتصاديون وممارسو السياسات الاقتصادية فقط هم وحدهم الذين يستطيعون رسم هذا التحول كيفما يكون ومن المفترض ان يأخذ موقع الصدارة وصولاً الى حقائق اقتصادية علمية واقعية بحتة في ظل تراكم العديد من التطورات في مختلف المجالات ومع ظهور العولمة الاقتصادية والثورة الصناعية الرابعة يستدعي الامر ايضاً اعادة النظر في الكثير من المسلمات الاقتصادية والمفاهيم والنمذجة والخيارات .
اللافت للانتباه وما يجب التوقف عنده مليّاً وفي ظل المعطيات الحديثة ان الشركات العالمية باتت تشكل حضوراً مهماً في تسنم هذه التحولات الجديدة في سياسات الاقتصاد الكلي فأكثر من ٨٠٪ من حراك الاقتصاد العالمي في كافة القطاعات يتم من خلال تلك الشركات فهل يتوجب تحييدها او اعادة هيكلة تأثيراتها على هذا التحول بمعنى الفصل بين السياسات والانتاجيات وتحييد اي تهديدات واختراقات تعصف بالاقتصاد الكلي ومن ثم العمل الى اعادة تموضع الاقتصاد الكلي نحو المسار الصحيح الآمن والمُستجيب لأي تكيف ؟ ربما ان هناك حراك فكري اقتصادي في الجامعات العالمية المرموقة وغيرها لكنها تحتاج الى الخروج نحو التنفيذ والتطبيق .
الاقتصاد هو بمثابة القلب النابض في الجسد السليم وكلما حافظنا على هذا القلب بتقويته والاهتمام به قبل ان يصله اي مشكلة ما كلما منح الجسد القوة والنشاط والعطاء .
مجمل القول : الفقاعات والازمات الاقتصادية والجوائح والاوبئة والمضاربات وعدم الحلول الجذرية للبطالة العالمية والفقر وسيادة الشركات العالمية مشاكل مستعصية فشل فيها الاصلاح الاقتصادي بفكره المبني على الاقتصاد الكلي التقليدي ومن المهم ان تكون هناك أُنْمُوذَجَات حديثة تعمل على ايجاد الحلول او التحول بحذر نحو نظم اكثر استجابة للمتغيرات وعلى مفكري علم الاقتصاد العمل لتطويرها وخلق توازنات جديدة في اطار النظريات الاقتصادية لتكون اكثر استجابة وتأهباً للاوبئة والازمات بفكر ابتكاري بحثي ومنهجي واجزم ان الرغبة والقدرة العلمية التي تربط بين خلق الافكار البشرية والتقنية الحديثة قادرة على على ذلك خاصة وان هناك العديد من المكتسبات العلمية والمدارس التي تمتلك قوة البراهين والاستدلالات الفلسفية والاقتصادية وذلك حتى ينجو الاقتصاد الكلي من اي تداعيات مستقبلية .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال