الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
اطلعنا على الفيديو المُتدَاول بشأن تقديم أحد المواطنين على وظيفة، وتزويده للجهة المُتَصِلَة (الوهمية) بمعلومات سيرته الذاتية ورقم هويته الوطنية، وربما تزويدهم بصورة عنها، وما تلا ذلك من تزويدهم برقم سري (الكود/ الرمز) المُرسَل لجواله، ثم اكتشافه أنه وقع ضحية احتيال، مُلخصها أنه تم الاستفادة من هذه المعلومات، ليحصل شخصٌ آخر على تمويل باسم ذلك المواطن من شركة تمويلية مُرخصة للتمويل في المملكة العربية السعودية.
ولمعرفة الحاصل وتحليل وقائعه والجوانب القانونية المُرتبطة به، علينا أن نعرف أنه تم الترخيص من البنك المركزي للعديد من الجهات التمويلية لتعمل من خلال الوسائط الرقمية، والمملكة بفضل الله تعالى مُتقدمة عالمياً للاستفادة من الرّقمَنَة، ومن ذلك أن تتم جميع إجراءات وآلية الحصول على تمويل من بنك أو من شركة تمويلية بالكامل، من خلال الوسائط الالكترونية دون أي زيارة للعميل للجهة التمويلية، وذلك من خلال التقدم الإلكتروني لطلب التمويل وربط العميل بشركة المعلومات الائتمانية (سمة) وأخذ موافقاته وتوقيعه من خلال منصة (أبشر)، ثم إيداع مبلغ التمويل لحسابه، وكل ذلك إلكترونياً.
والظاهرُ أن الذي حصل هو استفادة تلك الشركة الوهمية المُحتالة من معلومات العميل، فتقدمتْ باسمه إلكترونياً لشركة تمويل وحصلت باسمه على التمويل، ولكن المبلغ أودع لغيره!
وقد أعلنَ البنك المركزي في موقعه الرسمي بالأمس يوم السبت 27/3/2021م توضيحاً عن تلك الواقعة، أبرز ما تضمنه الآتي:
1- أن أحد العملاء تعرض لعملية احتيال، وتعليقنا أنه ليس عميلاً واحداً وإنما عملاء.
2- أن المُحتال قد حصل على تمويل بصورة غير مشروعة، من خلال استغلال بيانات العميل الشخصية التي أفصح عنها.
3- أن البنك المركزي وَجَّهَ الشركة التمويلية باتخاذ الإجراءات التصحيحية لمنع حصول مثل هذا الاحتيال، في حين خلا البيان من أي ذكر عن مسؤولية الجهة 4- التمويلية عن المديونيات التي رتبتها في ذمم العملاء؟
4- أكد البيان ضرورة محافظة العملاء على بياناتهم ومعلوماتهم، وعدم مشاركتها مع أي طرف لم يتم التحقق من هويته.
5- وأخيراً أكَّدَ البنكُ المركزي على أنه في حال اكتشاف أي عمليات مشبوهة؛ فمن اللازم سرعة التقدم ببلاغ إلى الجهات الأمنية المُختصة، وإشعار البنك المركزي من خلال منصة حماية العملاء (ساما تهتم).
وبصفتي مُستشاراً سابقاً بلجنة المنازعات المصرفية، والتي علمتني الكثير عن: متى تتحقق مسؤولية البنوك والجهات التمويلية ومتى تتحقق مسؤولية العملاء؟
وسنسردُ بعض السوابق القضائية للجنة، ذات العلاقة بحالتنا، ثم نُعرجُ برأينا:
أولاً: مسؤولية البنك في حال إهماله في التحقق من شخصية العميل، عند قيامه بالإجراء المصرفي.
ثانياً: مسؤولية البنك عن التحقق من شخصية المستفيد من الشيكات أو الحامل الشرعي لها أو المُستفيد من التسهيلات البنكية.
ثالثاً: عبء إثبات تسليم المستفيد الشرعي من التسهيلات يقع على عاتق البنك، ومن ذلك مسؤوليته عن تبعة الوفاء غير الصحيح بقيمة الشيك لغير المستفيد منه.
رابعاً: يترتب على عدم التأكد من هوية طالب الصرف مسؤولية البنك عن عملية الصرف غير الصحيحة.
خامساً: أن مال العميل لدى البنك أمانة، مسؤولٌ عنها البنك، لا يُصرف للغير إلا بأمر صحيح من العميل، وأن إخلال البنك بالتزامه بالمحافظة على أموال عملائه ومودعيه يُرتب مسؤوليته.
سادساً: عدم الالتزام بمراعاة الحرص الكافي لإدارة العمليات المصرفية يُرتب مسؤولية البنك قِبَلَ العميل.
سابعاً: مسؤولية البنك في حال عدم انسجام مسلكه مع عرف السوق.
ثامناً: إنه لا تثريب على العميل أو المواطن أو التاجر إن سلك مسلك الشخص العادي.
تاسعاً: في حال مساهمة العميل في الخطأ مع البنك، فيتحمل كلٌ منهما بقدر خطئه، مع التفريق بين المُباشر والمُتسبب.
وفي حالتنا، وبدراستها، مع بيان البنك المركزي، فلنا أن نتساءل الآتي:
أولاً: هل إفصاح المواطن عن رقم هويته الشخصية، يُعَدُّ مخالفة تستوجب المُساءلة؟ وهل أخطأ المواطن عندما قدم رقم هويته إلى الجهة مُدعية التوظيف؟ وهل صور هوياتنا سرية لا يجوز اطلاع أحد عليها؟! لا يا سادة. إن أرقام هوياتنا وصورها تُعطى لمن نتعامل معه وليست سرية، ولا أرى أن العميل قد أخطأ بتزويد الجهة سيرته الذاتية ورقم هويته، وبالتالي فإن تأكيد بيان البنك المركزي على المواطنين المحافظة على معلوماتهم الشخصية، لا يُلامَس المُشكلة ولا يحلها.
ثانياً: إن إقرار الوسائط والقنوات الرقمية في إجراءات التمويل وغيرها من العمليات المصرفية، يُرتبُ مسؤولية مُضاعَفَة على الجهات التمويلية والبنك المركزي – كجهة مسؤولة عن سلامة القطاع المصرفي والإشراف عليه – بالتحقق من سلامة الإجراءات وكفايتها، حمايةً لطرفي التعاملات، الجهات التمويلية والعملاء.
وفي حالتنا، يُطرح السؤال: إن كانت الجهة التمويلية اعتمدت على بيانات العميل، و(الرمز) المُرسل لها، فكيف تعتمد صرف مبلغ التسهيلات والتمويل لغير طالب التمويل، فتصرفه لشخص آخر، وأين ربط الجهة التمويلية التمويل برقم حساب المستفيد منه؟ لقد احتال هذا المُحتال عليكِ يا شركة التمويل وليس على المواطن.
لقد قصرتْ الجهة التمويلية من عدة نواحي، إذ التحقق من شخصية طالب التمويل بالإجراء الذي اتخذته، لا يُعدُ كافياً، وإرسال (الرمز) مع كثرة حالات الاحتيال والاختراقات لا يُعد كافياً، ثم لو اعتبرنا أن التحقق من شخصية العميل طالب التمويل قد تحققت، فإن الخطأ ثابتٌ في منح الجهة التمويلية مبلغ التمويل لغير العميل، مما يُرتب مسؤوليتها.
إن على البنوك والجهات التمويلية والبنك المركزي مسؤولية سلامة إجراءات التمويل، وبالذات الرقمية منها، وأن تكون الإجراءات مُـتقنَة كاملة، من ذلك توقيع الضمانات والسند لأمر والعقد، حمايةً للجميع، إذ لا يجوز التفريط بحجة تسهيل الإجراءات.
وفي حالتنا لم يتبين هل وقع العميل السند لأمر وبقية المستندات، أم إن التفريط سيد الموقف؟!.
مع تأكيدنا مع البنك المركزي على أهمية مُحافظة العملاء والجميع على خصوصية معلوماتهم، وبالأخص الأرقام السرية والرموز المُرسلة على الجوالات.
ثالثاً: لقد خلا بيان البنك المركزي من مسؤولية الجهات التمويلية عن مثل هذا الاحتيال، وأجزم أن عمليات النصب والاحتيال على المواطنين وعملاء البنوك قد كثُرت، الأمر الذي يتطلب دراسة أعمق لمسؤولية البنوك عن ذلك، وهو ما سأكتب عنه بإذن الله تعالى بمقالات قادمة.
إن مصداقية المنظومة المصرفية، باعتبارها الوعاء الحافظ لأموال المواطنين والتجار، لا تحتمل التفريط، ولأجل ذلك فمن غير المقبول أن يُشاع أن أموال المواطنين مُعرضة للاختلاس أو الاختراق، دون حماية. الأمر الذي يستوجب حماية هذه المصداقية، وبالذات أن سلوك المواطن كان سلوك الشخص العادي المُعتاد، في حين أن إجراءات الجهة التمويلية هي الأضعف والتي أدتْ لمثل هذا الاختراق.
رابعاً: لقد تضمن بيان البنك المركزي، أنه في مثل هذه الحالة على المواطن التقدم ببلاغ للجهة الأمنية المُختصة، مع إشعار (ساما تهتم)، وهذه لعمر الله مُشكلة أكبر من كل ما ذكرناه، فواقع الحال أن المواطنين وعملاء البنوك ضائعون في إجراءات مثل هذه الشكاوى، بين العديد من الجهات التي تتقاذفهم، بين الشُرط، ووزارة التجارة، والبنك المركزي (ساما تهتم)، وهو ما سنكتب عنه تفصيلاً بإذن الله، وأقل ما يُقال هنا أن الذي يُطالب العميل هي جهة تمويلية، وضعته في (سمة)، بإجراءات فيما يظهر أنها غير مشروعة، والأجدر من البنك المركزي – تحقيقاً للمصداقية – تفعيل اختصاصه ومسؤوليته بإشرافه، وباختصاص إدارة حماية العملاء، لدراسة وإقرار المسؤولية تقع على عاتق مَنْ في مثل هذه الحالة؟ فإن تحققتْ مسؤولية الجهة التمويلية، فلنكن على قدر المسؤولية بالإعلان عن إجراءات تعويض المواطنين وحماية حساباتهم، لا تقاذفهم بين الجهات.
والله من وراء القصد.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال