3666 144 055
[email protected]
الأسبوع الماضي تحدثت معكم بإيجاز عن نظام التخصيص الذي أقره مجلس الوزراء، وذكرت لكم أحد الأمثلة الناجحة على تطبيق المملكة لنظام التخصيص عام 2004 مع شركة الاتصالات السعودية STC. لكن مع وجود أصوات قلقة تشارك آراءها بدون دراية كافية على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، أصبح من الضروري التحدث حول تاريخ هذا النظام، وعرض ومناقشة إيجابياته وسلبياته الحقيقية بدون أي تضليل أو إخفاء للحقائق.
في عام 1979م أصبحت مارغريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا، كان الهدف الرئيسي من تأسيسها للحكومة في ذلك الوقت هو منع الانهيار الاقتصادي للمملكة المتحدة، وتقليل دور الدولة في الاقتصاد. فكانت أول من طبق نظام التخصيص في العالم، حيث بدأت في تطبيقه في بلادها خلال ثمانينات القرن الماضي، هذه المرأة الحديدية كما لقبها الكثيرون استطاعت رغم اعتراضات الشعب البريطاني من تخصيص العديد من القطاعات من ضمنها قطاعات النفط، الكهرباء، الاتصالات، المناجم، وجميع القطاعات تقريباً. كانت هذه الفكرة بالطبع من الأفكار المجنونة التي ظل يُحاربها العديدون من أبناء بريطانيا حتى أثبتت لهم تاتشر فوائد هذا النظام.
فقد استطاعت الحكومة في عهدها من خفض الدين الحكومي من 43.6% عام 1979 إلى 26.7% عام 1990؛ واستطاعت تاتشر من خلال تحرير أسواق المال، جعل مدينة لندن عاصمة للمال والصيرفة الأوروبية في التسعينات. كان هذا النجاح في تطبيق التخصيص الدافع لباقي دول الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية والعديد من الدول الأخرى فيما بعد إلى اتباع خُطى تاتشر في تطبيق تلك السياسة. هناك الكثير من الدول التي استطاعت تطبيق نظام التخصيص بما يتناسب مع متطلباتها ورؤيتها للمستقبل، دولة مثل الصين مثلاً استطاعت خلال عامي 2015 و2016م من جمع أكثر من 320 مليار دولار فقط من خلال تطبيقها للخصخصة. وهناك العديد من الأمثلة الأخرى لدول باتت الخصخصة تدر حوالي ربع تريليون دولار لخزائن حكومتها؛ وهذه الأمثلة تتضمن نماذج ناجحة لدول عربية مثل مصر والأردن على سبيل المثال.
بالطبع ليست العوائد المالية التي تعود على خزينة الدولة هي المقياس لنجاح أو مدى ثمار نظام التخصيص، لكن الطفرة التي تحدث في مستوى الخدمات التي تُقدم، والتي تنتج عن زيادة التنافس في تقديم الخدمات مما يصب في مصلحة المواطنين في النهاية، من خلال توفر جودة أفضل وخيارات أكثر.
على الجانب الآخر، هناك بعض التجارب التي فشلت في تحقيق نتائج مرجوة من نظام التخصيص في بعض من دول العالم مثل الأرجنتين، ماليزيا، وروسيا، وكان السبب هو فشل التعامل الحكومي بشكل صحيح مع خطوات تنفيذ هذا النظام. ففي روسيا على سبيل المثال تسرعت الحكومة في تحويل ملكية 17 ألف شركة من الملكية العامة إلى الملكية الخاصة، وبسبب هذا الاستعجال وعدم التدرج، أيضاً وبسبب سيطرة رموز الفساد على الاقتصاد، وعدم وجود رقابة صارمة على أصحاب الأعمال، فشلت التجربة الروسية في تحقيق نتائج إيجابية من نظام التخصيص لديها. لذلك نجد مؤسسات دولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد، أصبحت تهتم بتوفير شروط نجاح نظام التخصيص للدول التي تعزم على تطبيقه قبل البدء في أي شيء.
أخيراً؛ يبقى التساؤل، كيف تستطيع المملكة تطبيق سياسة التخصيص بنجاح؟ سأقوم بمناقشة هذه التساؤل معكم باستفاضة خلال مقال الأسبوع القادم إن شاء الله.
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734