الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
الرايق وأبو عبدالحكيم ونديم الشاشة، وغيرهم، كلها أسماء رنانة ومألوفة لدى الكثير ممن عاصروا طفرة السوق السعودي قبل 15 عامًا. وقد كانت تلك الأسماء تذكر في المجالس والمقاهي ومكاتب العمل والبيوت والبنوك. فما إن يوصي أحد من هؤلاء بشراء سهم معين حى يتهافت عامة المتداولين للشراء معتبرينها أفضل توصية ممكن أن تقدم لهم. كثرت تحليلاتهم وتوصياتهم من هنا وهناك مستغلين ضعف الجهاز الإعلامي في تغطية الأوضاع المالية والاقتصادية. فقد كان عددها شحيح ومحتواها ركيك، فلا يوجد غير صحيفة الاقتصادية و قناة CNBC عربية من تسلطا الضوء باستحياء على سوق الأسهم في عز طفرته منذ بداية 2004. وبسبب ضعف التغطية الإعلامية وسهولة تناقل الأخبار والإشاعات في ثورة الإنترنت والقنوات الفضائية، طالت توصيات الأسهم أشرطة قنوات التلفاز كقناة نجوم في عام 2003. ونشات قاعدة خصبة في المنتديات الحوارية حتى باتت تشكل المصدر الرئيس والأساسي في تلقي المعلومات والتوصيات المالية المختلفة، مثل منتدى عربيات وأعمال الخليج.
ازدادت شعبية المحللين في المنتديات، وسوقوا لأنفسهم، واستغلوا السيل العارم من المال الذي ضخ في الأسواق، ونسبوا نجاح كل صفقة لتحليلاتهم أو بمعنى أصح، خزعبلاتهم وليس بسبب جاذبية واندفاع الأسواق نحو الصعود. اشتهر العديد من الحسابات الغير معروفة، وأخذوا يتلاعبون بالأسعار وهم في الواقع يتلاعبون بمشاعر المتداولين البسطاء. فيومًا تجدهم يطبلون على السهم ويوم آخر يرجفون به. بل كانوا يغشون الناس بما هو أسوء من تسريب المعلومات وتمادى البعض باتباع أساليب غير نظامية كاستلام مبالغ مالية مقابل التوصيات ورفع نسبة مشاهدات المواضيع في المنتديات الحوارية ليعطي انطباع بأن موضوع السهم ذو شعبية عالية. اشتهر المحللين وكأنهم نجوم كرة قدم، يوصون على أسهم التدبيلة ويحذرون من أسهم التصريف. إين هم الآن؟ ومن بقي منهم في عالم المال؟ بل السؤال الأهم كيف كانت تحليلاتهم وطريقتهم باختيار الأسهم؟ وهل هي حقًا تحليلات مبنية على أسس فنية أو مالية أو اقتصادية؟ أم أن الحظ الوفير لمن عاصر طفرة سوق الأسهم السعودي جعلت الفقير غني والغني فقير؟.
وبالرغم من اختلاف جميع العوامل المحفزة التي كانت هي أسباب سوق طفرة الأسهم السعودي عام 2006 -تتوفر دراسة مفصلة عن مسببات وأحداث فقاعة السوق السعودي على موقع هيئة سوق المال- لمن أراد الرجوع لها حتى لا يبقى ضحية لنظريات المؤامرة. وبالرغم من الحقائق، إلا أن هناك من يصر على أن هناك أيدٍ خفية سلبوا أمواله ظلمًا ويجب محاسبتهم حتى بعد مضي 15 عامًا. في نهاية المطاف لا يمكن بكل المقاييس أن نضع اللوم على الأسواق، السوق غير مخطئ بل بريء من كل تلك الادعائات الواهية التي تسيطر على أفكار من بعثروا أموالهم بكامل إرادتهم. اللوم كله على من اتبع وصدق خرافات من كانوا يسمون أنفسهم بالمحللين، فهل سألت نفسك أين اختفت تلك الأسماء المشهورة؟ كم واحد اعترف أنه اقترف خطأً كبيرًا ويجب أن يصحح من أخطائه للدخول مرة أخرى أو حتى صرف النظر عن السوق والاستثمار بتجارة آخرى يفهم فيها؟. إذا لم تكن لديك خطة مدروسة، واستراتيجية استثمارية مكتوبة، ولم تتوفر لديك أساليب التحليل بمختلف انواعه، أو منطق يجعلك تبيع وتشتري، فأرباحك جائت إليك بمحض الصدفة. وغالبًا لن تتكرر وستتبخر الأموال إذا استمريت على هذا النحو.
عزيزي القارئ هناك تشابه في الأحداث نعيشها اليوم مع اختلاف الجيل والتطور التقني الملحوظ، إلا أننا دائمًا ما نرفض ذكر هذه الأحداث التي سببت ألمًا كبيرًا للكثير من الشعب السعودي. وأول ما يزيل هذه المخاوف هو تقبلها، ثم مواجهتها، ومن ثم العمل على اجتناب تكرار حدوثها. وللأسف لم نعمل بالأولى ولا الثانية ولا الثالثة. نرى اليوم الكثير من الأسماء الرنانة على منصة تويتر -المنصة الأكثراستخدامًا لدى السعوديين- يطرح فيها العشرات من المواضيع الاستثمارية يوميًا بلا توقف وقد زادت وتيرتها بعد جائحة كورونا والتفات الناس إلى الاستثمار والتجارة والأسواق المالية مرة أخرى كمصدر سهل لكسب المزيد من الأموال بأقل التكاليف.
أؤكد لكم أن هذه الأسماء ستختفي بعد مضي بضع سنوات من الآن –وغالبًا بعد هبوط الأسواق- كما حدث في السابق، والسبب بسيط وهو لعدم وجود منطق أو أساس قوي متين يقف عليه هؤلاء المحللين. وتجد أتباعًا كثر يؤمنون بتوصياتهم ويسمعون آرائهم ويشترون ما يشترونه ويبيعون ما يبيعونه متناسين أن تلك قرارات شخصية قد تصيب في أحيان قليلة وقد تخطئ في أحيان كثيرة. بل أن الوضع أخطر من السابق بمراحل كثيرة، حيث اندفع الناس في الآونة الأخيرة للاستثمار في الأسواق الدولية كالسوق الأمريكي (نازداك وبورصة نيويورك وغيرها) وهي أخطر من السوق المحلي بفارق كبير من ناحية المتعاملين ذوي الخبرة العريقة وانفتاح السوق الأمريكي على الاقتصاد الأمر الذي يجعله عرضة لتقلبات حادة جدًا قد لا يتحملها المتداول البسيط. نصيحتي لمن ينشر التوصيات ويتحدث على الأسواق المالية في كل تطبيقات التواصل الاجتماعي، قبل أن تكتب تغريدة أو تنشر محتوى لعدة توصيات استثمارية.. تأكد أن من سيقرأها هم عامة الناس من بينهم المتمرس والجاهل وعديم الخبرة، من بينهم كبار السن وصغار السن، من بينهم من تعب في جمع أمواله لسنوات، ومن بينهم من عانى 15 سنة لينسى حادث يوم أليم لا يقبل بأي شكل من الأشكال أن يعانى 15 سنة أخرى!.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال