الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
نادراً ما نرى العلاقة بين مؤجِّر العقار ومستأجره وديةً، ففي العادة تكون هذه العلاقة مشحونةً بتوتُّراتٍ عديدةٍ، من أهم أسبابها تأخُّر المستأجر عن دفع الأجرة.
وتذخر المحاكم بعددٍ كبيرٍ من دعاوى المؤجِّرين على التجار المستأجرين المتأخِّرين عن الدفع، الذين يدفعون أمام المحكمة بأنَّ انتفاعهم بالعقار المؤجَّر قد انخفض من الناحية التجارية لسبب أو لآخر.
لكن عندما انتشرتْ جائحة كورونا، كانت المحاكم أمام تحدٍّ جديدٍ، وهو طوفانٌ من حالات انتهاك عقود أجرة العقارات، وهنا اختلط المظلوم بالظالم.
كان ذلك في ظلِّ عدم وضوح القواعد النظامية، وعدم استقرار الاجتهاد القضائي.
بناءً عليه، دفع معظم المستأجرين بأنَّ العقارات التجارية التي استأجروها لم تعدْ تمنحهم المنفعة التجارية التي كانت قائمةً لدى توقيع العقد، والتي لولا وجودها لما قبلوا بمبلغ الأجرة المحدد في العقد أساساً، ذلك لأسبابٍ عديدةٍ، تبدأ بحظر التجوِّل وتقييد الحركة وتحديد وقت الافتتاح والإغلاق، وتنتهي بحظر بعض الأنشطة التجارية المرتبطة بتجمُّعات الجمهور.
من خلال هذه الحجَّة، سمح العديد من التجار لأنفسهم بتأخير دفع الأجرة، أو طالبوا المؤجِّرين بتخفيض الأجرة، وغيرها من الحالات التي تفسد البيئة التجارية، فالتجارة تحتاج إلى الاستقرارٍ والاستمرار في المكان بعد بناء علاقة ثقةٍ مع العملاء.
في المقابل، كانت حقوق المؤجِّرين ثابتةً في الأجرة بموجب عقودٍ صحيحةٍ وموثَّقةٍ لا غبار عليها، فما هو الحل القضائي لهذه الإشكالية؟
صدرت تعليمات المحكمة العليا الخاصة بالعقود المُتأثِّرة بجائحة كورونا رقم 45/م لعام 1442 هـ، وقد وضعت المحكمة في حسبانها إيجاد حلٍّ مستقلٍّ لعقد أجرة العقار.
وعندما نتحدث عن عقد أجرة العقار هذا، فإنَّ المحكمة العليا قد أفردت قواعداً تفصيليةً خاصةً بحيث تكمل معايير المحكمة التي وضعتها لمواجهة منازعات العقود بشكلٍ عامٍّ.
واستناداً على ما سبق، فقد وضعت المحكمة العليا قاعدتَيْن، هما (ثانياً/أ، القرار):
1- قاعدة تخفيض أجرة العقار
يحقُّ للمستأجر طلب تخفيض أجرة العقار في حالة انخفاض منفعة المستأجر من العقار جزئياً أو كلياً بسبب جائحة كورونا، وهنا تُقدِّرُ المحكمة مقدار نقصان المنفعة، وتنتقص من الأجرة بنفس المقدار.
فإذا كان المستأجر هو صاحب مطعم، وكان انخفاض منفعة المستأجر بالعقار تتمثَّل في حظر التجول مساءً ابتداءً من الساعة 7 مثلاً، فتستطيع المحكمة أن تَطلُبَ من إدارة المطعم سجلَّاتها للعام الماضي، وتقوم بتقدير مقدار خسارة المطعم من الإغلاق بالقياس على عدد العملاء الذين كانوا يطلبون الوجبات بعد الساعة 7 مساءً قبل حلول الجائحة.
2- قاعدة عدم جواز فسخ عقد أجرة العقار
لا يحقُّ للمؤجر فسخ عقد أجرة العقار نظراً لتوقُّف عن دفع الأجرة إذا انخفضت منفعة المستأجر بالعقار جزئياً أو كلياً بسبب جائحة كورونا.
فعلى سبيل المثال، لا يمكن للمؤجِّر الاستناد على التزامات المستأجر بموجب عقد صحيحٍ وملزمٍ حتى يُطالِبَ بالفسخ بالنظر لإخلال المستأجر بالتزامه دفع الأجرة في وقتها، بل سيبقى العقد سارياً، ويبقى للمستأجر الحق بالبقاء في العقار المؤجَّر رغماً عن تأخُّره بدفع الأجرة.
وهنا علينا التأكيد على النقاط التالية:
* لا يمكن ضبط تقدير قيمة انخفاض منفعة المستأجر بالعقار وفقاً لمعيارٍ واضحٍ، ولا يمكن الوصول إلى أقرب تقدير لها إلاَّ بموجب أدلةٍ وخبرةٍ، ورغم ذلك تبقى مسألة تقدير المنفعة مسألةً نسبيَّةً ومرنةً جداً يَصْعُبُ تحديدها، وهذا يعني أن تعديل مبلغ الأجرة في العقد قد يكون جائراً على أحد الطرفَيْن، وبشكلٍ خاصٍّ المؤجِّر.
* بقاء المستأجر في العقار رغم تأخُّره عن دفع الأجرة دون تحديد مدة قصوى لهذا التأخير تبقى محلَّ نظرٍ.
* تأخُّر المستأجر عن دفع الأجرة يمكن أن يكون مُبرَّراً في حالة انتفاء منفعته بالعقار كلياً، لكنَّ هذا التأخُّر لا يمكن تبريره في حالة انتقاص منفعته بالعقار جزئياً وتخفيض الأجرة له بمقدار هذا الانتقاص.
بالنتيجة، تبدو قواعد المحكمة العليا بخصوص أجرة العقار بحاجة إلى تفصيلٍ أكثر فيما يتعلَّق بالعقارات التجارية، ونقترح بهذا الخصوص:
* إنشاء لجنة خبرةٍ قضائيةٍ خاصَّةٍ بتقدير انخفاض المنفعة من العقارات بسبب جائحة كورونا.
* عدم السماح للمستأجر بالتأخُّر عن دفع الأجرة بعد تخفيضها إذا كان انخفاض منفعته من العقار جزئياً.
* السماح للمؤجِّر بطلب فسخ عقد الأجرة في حالة كان انتقاص الانتفاع بالعقار جزئياً.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال