الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
امر يدعو للحيرة والاستغراب، لماذا حينما تطرح مبادرة لحل النزاع في اليمن يقفز الحوثيون ويتصدرون المشهد، ويعلنون عدم رغبتهم في التجاوب والتعامل معه، خاصة إذا ما علمنا أن هذا الأمر سوف يعود بالنفع على اليمنيين ويمنحهم الاستقرار وبناء دولتهم الممزقة نتيجة الخلافات الأهلية والتدخلات الخارجية في شؤون اليمن.
بعد ساعات قليلة من إعلان السعودية لمبادرة وقف اطلاق النار في اليمن ارتفعت أمال اليمنيين في الحصول على عمل واستقرار أسواقهم، وأيضا فرصة الذهاب الى السعودية للعمل وتحسين أوضاعهم المعيشية والاقتصادية وعودة الحياة الى ميناء الحديدة لبدء استقبال الحاويات وانتعاش الحركة التجارية، إلا أن هذه الآمال تبددت وضاعت مع تصريحات الحوثيين عدم استجابتهم للمبادرة السعودية ومثل كل مرة يرى الحوثيون أن المبادرة لا تحمل جديدا.
هذه الحرب التي أكلت الأخضر واليابس في اليمن وقتلت الألاف من زهرة أبناء اليمن وشردت الكثير من الأسر والعوائل وترملت نساء وسقط أبرياء ووظف الفتيان للقتال جبرا في صفوف الحوثيين في معركة لا تعرف أهدافها ومصيرها، سوى تنفيذ أجندة خارجية، استفاد منها الزعماء الحوثيين وقياداتها، بينما المرتزقة والمتورطين كانوا الحطب الذي تم استخدامهم من اجل إشعال فتيل الحرب.
مقارنة بالدول العربية الأخرى، اليمن تقف في الصفوف الأخيرة في التنمية البشرية والتنمية الحضارية والاقتصادية، وفاتورة الحرب وصلت الى 200 مليار دولار، كبلد مثل اليمن الفاتورة باهظة فضلا عن حالات البطالة وضياع الفرص على الشباب والشابات لمواكبة التنمية والمنافسة مع أقرانهم من الشباب في الدول الأخرى.
اليمن كان منغمسا من عقود في المخدرات والقات وجمع الأسلحة وحرب القبائل، ولم تلتفت قياداته للتنمية الحضارية وانشغلت في تعبئة جيوبها ونفخها بالأموال وتحولوا الى مرتزقة لدول لتنفيذ أجندتهم مقابل حفنة من المال وتحقيق مصالح شخصية.
المبادرة السعودية حملت فرصة امل لليمنيين للخروج من ازمه، ولا توجد أي حروب أو صراعات تستمر طويلا دون نتيجة، واذا اعتبرنا أن للحوثيين هدف من هذه الحرب أو الاعتداءات التي تنفذها ضد الأراض لها مغذ سياسي أو هدف لقلنا حسنا، ماذا حقق الحوثيون من هذه الحرب؟، وماهي المكاسب التي خرجوا منها؟ اليمن انقسمت الى قسمين، وتراجعت التنمية بشكل لافت وهدر للأسلحة، هل يعقل الى هذا الحد لم يكن لدى الحوثيين أهمية لليمن ومستقبلها السياسي والاقتصادي والتنموي؟
فرصة تقدم في طبق من ذهب حينما تعلن السعودية مبادرة لإنهاء الحرب الاثنين الماضي وإقرار السلام، وتضمن الاتفاق وقف اطلاق النار تحت رقابة الأمم المتحدة، واستئناف المحادثات السياسية وفتح مطار صنعاء الدولي، ووجدت المبادرة ترحيبا دوليا من الدول العظمى وأيضا إيداع الضرائب والإيرادات الجمركية من ميناء الحديدة في الحساب المشترك وفق اتفاق ستوكهولم وتضمنت المبادرة فتح مطار صنعاء الدولي لعدد من الرحلات المباشرة الإقليمية والدولية، وبدء المشاورات بين الأطراف اليمنية للتوصل إلى حل سياسي للأزمة اليمنية.
حينما كانت السعودية تتهم إيران أنها تدير العملية الحربية ضد السعودية من اليمن واستغلال الحوثيين، لم تكن مخطئة ولم تكن تبالغ، وما كانت تطلق تصريحاتها عبثا، المسؤولين الإيرانيين أعلنوا أكثر من مرة انهم يقفون مع الحوثيين ويقدمون لهم الدعم الكامل من أسلحة وأموال.
وبعد يوم من إعلان المبادرة السعودية، أعلنت الخارجية الإيرانية الثلاثاء الماضي في بيان بمناسبة الذكرى السادسة للحرب في اليمن، إيران “أكدت منذ بداية هذه الحرب أنه لا يوجد حل عسكري للأزمة اليمنية”، مضيفة أن إيران “تدعم أي خطة سلام تقوم على إنهاء العدوان، والوقف العام لإطلاق النار، وإنهاء الاحتلال، ورفع الحصار الاقتصادي، وبدء المحادثات السياسية، وفي نهاية المطاف تسليم اليمنيين زمام الأمور لرسم مستقبلهم السياسي دون تدخل أجنبي”. لم تزد إيران شيئا على المبادرة السعودية، فهي تحمل نفس المميزات وربما أكثر، إنما التصريح الإيراني جاء ليؤكد أن يد العمائم في إيران طويلة وتتحكم في مفاصل الحوثيين، وهي لا يهمها اليمن ولا شعبه ولا يهم إيران مستقبل شباب وبنات اليمن، يهمها أن تخلق الفوضى.
حينما أعلنت السعودية هذه المبادرة، لم يكن ضعفا منها أو استسلام ولا حتى تراجع، بل تحركت من منطلق مسؤوليتها فهي تعاملت مع خصمها بلطف ولم تفرط في استخدام الرد، رغم الأضرار التي لحقتها من الطائرات المسيرة والصواريخ البالستية التي كان يطلقها الحوثيون، وأصابت بعض منها مقدراتها الاقتصادية والتنموية واستهداف مدنيين في مطار خميس مشيط وأبها والرياض وجدة ومدن أخرى، كان بالإمكان للقوات السعودية ودول التحالف أن تفرط في الرد وتلحق عصابة الحوثيين درسا بليغا ومؤلما، إلا أن الحكمة لدى السعوديين هي أن أنها تتصارع مع عصابة مارقة، ولا تريد أن تضرب بعشوائية مفرطة، وتسبب خسائر للشعب اليمني ومقدراته ومكتسباته، لهذا كانت دائما ما تصيب مستودعات الذخائر وأفراد العصابات الحوثية.
ربما يتساءل البعض لماذا يرفض الحوثيون المبادرة بصريح العبارة، إيقاف الحرب والقبول للجلوس في طاولة الحوار، هو يعني كشف عورة الحوثيين وتعريتهم تماما أمام المجتمع الدولي، بان صراعهم وحربهم، ليس له شان سياسي، لأنهم مثل بقية الأحزاب في عالمنا العربي حماس وحزب الله وغيرها، تعتمد على طعامها من الخارج، وتتحرك مثلما يطلب منها، الوطن ومصلحته يأتي في المراتب المتأخرة، الحوثيون لا يملكون مهارة الحوار السياسي وليست لهم أجندة سياسية، وزعماءه أصحاب مجالس وصالونات القات، غير هذا لن ترى منهم شيئا.
من المهم أن يستغل السعوديون الترحيب الدولي للمبادرة التي أعلنوها لوقف الحرب، ويوسعوا قاعدة المظلة الدولية ويحولوا هذه المبادرة الى مشروع سلام ملزم للحوثيين بضغط من المجتمع الدولي، وفي حال لم يلتزموا على المجتمع الدولي أن يتخذ قرارا مهما بالتدخل العسكري الدولي، ومحاكمة قيادات الحوثيين على انهم مجرمين حرب ويتم تقديمهم للمحكمة الدولية الجنائية، ومن غير المعقول أن تتحمل السعودية بمفردها التعنت الحوثي والعالم يتفرج دون أن يتحرك، ويضيع الشعب اليمني مثلما ضاعت شعوب أخرى وتشتتت.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال