بعض الدروس المُستفادة من الجائحة

حتى هذه اللحظة لا يزال الاقتصاد العالمي يعيش مرحلة عدم اليقين ، الكوارث الطبيعية والازمات الصحية ممكن ان تحدث في اي مكان وفي اي وقت ، جائحة كوفيد -19 مثل اي ازمة طارئة تركت اثراً مدمراً واودت بحياة الكثير من البشر ، في المقابل قدمت دورساً مهمة في الاقتصاد والصحة والثقافة المجتمعية وستعيد حتما تشكيل المشهد الاقتصادي العالمي من زوايا مختلفة .

الدرس الأول : اول اختبار حقيقي للاقتصاد العالمي كان ضعف وهشاشة سلاسل التوريد فمع الاغلاق الكبير وتوسع الجائحة والقيود المفروضة كان الطلب على السلع الضرورية وخاصة تلك التي تتعلق بالوقاية والعلاج مرتفعاً مما شكل تحدياً كبيراً في وصولها او حتى في توزيعها ، بعد هذا الدرس من المهم ان نتعلم منه جيدا الطرق الصحيحة والاجراءات المفترضة والتدابير المناسبة مستقبلاً لخلق سلاسل توريد اكثر وصولاً .

الدرس الثاني : كيف نستشرف المستقبل في ظل اي زمة طارئة؟ لقد قزم فايروس كورونا فرصاً مهمة للاقتصاد والمجتمعات لبناء اسس جوهرية تعتمد على الاستدامة والصحة والتقنية كان من الممكن العمل عليها خلال العام 2020 لكن هذا لا يعني ان أي انتقال لما بعد هذه المرحلة يُعد مقلقاً او معقداً بقدر ما سيكون امامها الطريق ممهداً واكثر وضوحاً بعد هذه التجربة فالفرص باتت اوسع نحو خلق الافكار الابداعية وتوسيع اطر المشاركة المجتمعية ضمن منظومة توظف عناصر الانتاج على نحو من الاستدامة بما يمكنها من التشغيل الكامل حتى خلال الازمات ، الفكر الاقتصادي هو من سيحرك اي نمو آمن بأُسس ومفاهيم اقتصادية جديدة.

الدرس الثالث : تمكين البحث العلمي والدراسات والمراكز البحثية التي يمكنها ان تصنع وتطور الموارد وايضا تغير مفهوم اعادة الاستنساخ المتكرر الى مبتكرات جديدة يمكن التنبؤ باهميتها مستقبلا وخاصة في البعد التقني والصحي ، الجائحة كشفت ان العالم اصغر مما كان متوقعاً والقواسم العالمية المشتركة تشكلت في النهاية متحدة ومتعاونة مع بعضها البعض للتغلب على عدو البشرية ، اليوم العالم يعمل معاً من اجل توزيع عادل للقاحات ويفترض حتما ان الجميع سيحظى به لذلك يبقى خيار التعاون الدولي هو الملاذ الآمن للشعوب وعليه فإنه من المتوقع ان يتم الكشف قريباً عن ابحاث طبية واقتصادية وتقنية ونمذجة حديثة عن انتشار الاوبئة وطرق اكتشافها سريعاً وبرتوكولات الوقاية والمعالجة .

الدرس الرابع : ساهم الفايروس في كشف قدراتنا البشرية والمهنية ، ففي اي وقت وتحت اي ظرف فإن الاستثمار في رأس المال البشري جزء لا يتجزء من المنظومة الاقتصادية ، لذلك نجح الفايروس في التأسيس الصحيح للتعليم عن بعد ومنح التطبيقات الذكية اسواقاً جديدة كأي سوق مكاني واسهم في استخراج ملكات ابداعية واقتصادية تؤمن بالنجاح وقادرة على تجاوز التحديات وتؤسس لبرامج جديدة لم تكن متاحة قبل الازمة .

الدرس الخامس : احدث كوفيد -19 نقطة تحول مهمة في التجارة الرقمية والالكترونية حيث وصل حصتها الى 17% عام 2020 من تجارة التجزئة العالمية وهو ما يعني تصاعدها الى ما بعد التعافي وفي ذات الاتجاه برزت اهمية التحول نحو الانتاج الالكتروني أي ان النشاط في المجمل انتاجاً واستهلاكاً سيحظى بالاهتمام الكلي في مختلف المجالات وعلى رأسها التقنية ولن يقتصر اللاعبون فقط على الاسواق الكبيرة بل ان الاهتمام يشمل ايضا الاسواق الناشئة.

الدرس السادس : نجحت معظم الدول في تحقيق فاعلية مهمة نحو الاستجابة السريعة للمتغيرات على المستوى القصير والطويل الاجل وذلك بوضع اطر ومحفزات مهمة لحماية انشطتها الاقتصادية والمحافظة عليها ودعم قطاعاتها بالادوات المالية والنقدية المتاحة كما انها وضعت في الاعتبار مستقبلا الكيفية التي من خلالها يمكن ان تخفف من وطأة اي وباء مستقبلي .

الدرس السابع : تقول صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية في استبيان لآلاف المـوظـفـين الـبريـطـانـيـين الـذيـن أصبحوا يعملون من المنازل خلال فترة الإغـــلاق، أن 88 في المائة يرغبون الاستمرار في القيام بذلك بصفة معينة، وفي بحث اجرته جامعة كارديف وجامعة ساوثهامبتون قال أربعة من كل خمسة مشاركين إنهم يستمتعون بالعمل من المنزل ، ويبدو انه في المستقبل قد تقلص الشركات التكاليف التي تتعلق بالمكان والمكاتب من خلال هذا التوجه الجديد وقد يقتصر الحضور مرة أو مرتين في الأسبوع سواء كان في مقرات العمل او في اي مكان آخر لاضفاء العلاقات الانسانية لزملاء العمل او العملاء .

الدرس الثامن : على مستوى الاقتصاد الجزئي علمتنا الجائحة تعاظم العلاقة بين الاقتصاد السلوكي والاجتماع لذلك شكلت تطبيق الاحترازات وعي اقتصادي جديد في مجالات الانفاق الاسري والعادات وما صاحبها من زخم عالٍ نحو الترشيد والتركيز على الضروريات ففي تقرير نشرته PWC عن المستهلكين في الشرق الاوسط خلال الجائحة قال بأنه قد تغيرت عادات الإنفاق والشراء جراء جائحة كوفيد-19 حيث زادت معدلات التسوق باستخدام الهواتف الذكية (53%)، بينما يشتري النصف (51%) من المستهلكين المواد الغذائية عبر الإنترنت مع ترجيح 92% من هؤلاء استمرارهم في القيام بذلك بعد انقضاء الجائحة وزاد تركيز المستهلكين في الشرق الأوسط على الاعتناء بأنفسهم، وخاصةً فيما يتعلق بصحتهم العقلية ورفاهيتهم (83%) وصحتهم البدنية ولياقتهم (85%).

كما كان للجائحة تأثير آخر على طبيعة المواد التي ينفق المستهلكون عليها نقودهم، حيث أشار 61% إلى زيادة إنفاقهم على المواد الغذائية وأشار 41% أنهم ينفقون أكثر على مواد الترفيه والإعلام. وفي المقابل، قلل المستهلكون في الشرق الأوسط من معدلات إنفاقهم على الملابس والأحذية (50%) وعلى الطعام الجاهز (42%).

مجمل القول : لقد اظهرت الجائحة الكثير من الدروس المهمة والتي بدورها حولت العديد من المفاهيم الاقتصادية والاجتماعية الى واقع مختلف تتشكل اهميته في الخطوات العلمية التي تم وسيتم التعاطي معها أبان هذه الجائحة وبعدها ، العالم بات اصغر من قرية وكلما تضافرت الجهود الدولية فإن العالم اقتصادياً سيتجاوز الازمات والاوبئة والمؤكد ان صناديق التفكير البشري لاتزال تحمل الكثير من الافكار الخلاقة والجديدة في مختلف المجالات مما سيقوض مستقبلا اي ازمات وجوائح طارئة.