الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
خلال الاسبوع الماضي، اثر تساؤل في موقع التويتر حول ما إذا كان تلميع صورة المملكة دور وزارة الإعلام ام دور الدولة. وثار النقاش عن من هو المسؤول عن الدعاية والدفاع عن صورة المملكة العربية السعودية في الخارج. في الحقيقة أن الدعاية السياسية و الاجتماعية للدولة ومؤسساتها داخل المملكة وخارجها، هو ليس دور وزارة الإعلام فقط وإن كان لها دور خاصة على نطاق الإعلام المحلي. لكن، ما نتكلم عنه هو كيف يمكن للمملكة أن تحسن سمعتها وصورتها في الخارج من دون ابتذال اعلامي او الظهور بشكل غير مقنع. هناك الكثير من الأبحاث العلمية المتعلقة بالدعاية السياسية وتأثير الإعلام على الرأي العام، وكان من ضمن المؤثرين في هذا الميدان هو ابو العلاقات العامة ” إدوارد بيرنيز” والمخترع للبيان الصحفي. كان نهج بيرنيز هو استخدام طرف ثالث للتأثير على الشريحة المستهدفة.
شارك بيرنيز في حملات ترويجية كثيرة منها ما هو سياسي ومنها ما هو اجتماعي. فعلى سبيل المثال عندما حاول التجار الترويج لبيع لحم الخنزير المقدد، قام بيرنيز بالذهاب الى طبيب وطلب منه أن يبحث في ما إذا كان أكل فطور دسم مكون من اللحم والبيض مفيد، فبحث الطبيب عن ذلك وجد أنه ذو فائدة غذائية عالية. فطلب منه بيرنيز من الطبيب للكتابه الى ٥٠٠٠ طبيب اخر لاثبات هذه الحقيقة العلمية،وفعلا اتفقوا معظم الأطباء على هذه الحقيقة العلمية، ومن ثم عمل بيرنيز على نشر هذه المعلومات في الصحف وتم عرض رأي الأطباء مما رفع مبيعات اللحم المقدد والبيض، ومع الوقت اصبح وجود اللحم المقدد والبيض وجبة اساسية للفطور ثقافة في الفطور الامريكي. كان التركيز هنا على التأثير بشكل غير مباشر على العقل اللاوعي. وبالتالي، الذي يعاني منه الترويج لوطننا في الخارج هو بسبب عدم وجود استراتيجية تهدف إلى التأثير اللامباشر على مجتمعات الدول الاخرى خصوصا دول العالم المتقدم.
هذا في الواقع ليس عمل الدبلوماسي ولا الاعلامي. الدبلوماسي عمله يتعلق بالعلاقات الدولية و الدبلوماسية، بينما الاعلامي عمله يتعلق بنشر الأخبار و الصحافة والتواصل بشكل مباشر مع المجتمع إذ ان وظيفته واضحة. بغض النظر عن ما يعانيه الإعلام من تحديات في المملكة، خلق صورة لامعة لوطننا في الخارج هو عمل إدارات العلاقات العامة في المؤسسات بشكل عام، وعمل الدولة بشكل خاصة. ففي الولايات المتحدة الامريكية، تتولى الاستخبارات الامريكية التصرف في ميزانية الدعاية الخارجية بحيث انها تنفق مليارات الدولارات للترويج عن ثقافتها والتمهيد لتطبيق سياساتها في الخارج مثلما حدث في فيتنام والربيع العربي، والامثلة كثيرة.
في عام ١٩٤٠م، تم إضفاء الطابع المؤسسي على الدعاية والعلاقات العامة داخل المجتمع الأمريكي حيث روج الرئيس فرانكلين دي روزفلت لسياساته بشكل مباشر من خلال المؤتمرات الصحفية العامة و الخطابات الإذاعية الموجهة إلى الشعب الأمريكي بخصوص اتفاقية الاعارة والتأجير للمعدات العسكرية لبريطانيا بسبب عدم قدرتها المالية لتغذية جيشها بالطعام و بالمعدات العسكرية اللازمة. فقدم روزفلت فكرة تسليم المواد الحربية لأولئك الذين يقاتلون ألمانيا النازية بتشبيه بسيط: “لنفترض أن منزل جارتي يحترق ولدي خرطوم حديقة طويل …”، بعد أسبوعين ، استند الرئيس إلى هدف أخلاقي أكبر:” يجب أن تكون أمريكا ترسانة كبيرة للديمقراطية “. هنا تم الترويج للسياسة الامريكية الجديدة باستخدام مواهب الدعاية و العلاقات العامة. بعد ذلك تم تغذية الإعلام الداخلي والخارجي بأفكار مماثلة عن طريق الأفلام الترفيهية والوثائقية والبرامج الترفيهية وترويج الصور الفوتوغرافية …الخ.
ما اريد الاشارة اليه هنا هو أن ما يعيق عملية تلميع صورة المملكة هو عدم استخدام جميع العلوم والمختصين لذلك. فنحن لنروج عن المملكة في الخارج، لا نحتاج إلى من يظهر في برنامج تلفزيوني ليتكلم عن ماضينا و حاضرنا، لان هذا الاسلوب وإن كان له تأثير إلا أنه لايخلق تأثير طويل المدى. نحتاج الى اشراك ابنائنا بالخارج للترويج عن المملكة عن طريق تشجيعهم في حال أتت فرصة للظهور الإعلامي للحديث عن تجربتهم الدراسية مثلا وليس عن المملكة. لن الهدف هو التأثير اللامباشر وليس التأثير المباشر. في بريطانيا والولايات المتحدة الامريكية، نجد ان جامعتهم لديها كراسي بحثية لدول مختلفة مثل دراسة الشؤون الايرانية من ناحية سياسية أو اجتماعية، كراسي لدراسة المجتمع الهندي، او كراسي للبحث في تاريخ اليهودية، ويعمل فيها أكاديميين ومتخصصين من الجنسية التي يستهدفها الكرسي البحثي. كذلك المشاركات في الانشطة الترفيهية والاعلامية والبحثية وغيرها من الفرص التي يمكننا ان نظهر انفسنا بالصورة التي تليق بنا و بوطننا. وسائل الترويج اللامباشر متعددة ومتنوعة، المهم هو معرفة من يجب ان يقوم بهذا الترويج حيث يجب ان يكون من الأشخاص ذوي المصداقية. فالعبرة هنا ليست بالمديح والتضخيم المباشر، وإنما العبرة بكيفية جعل ثقافتنا وسياستنا ذات قبول اجتماعي و سياسي و دولي.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال