الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
بعض الأشياء لا تُقدَّر بثمن من عظمها، ولا تٌشترى بالمال !
فالسعادة أحدها التي لا تُقدر بثمن، فليس شرطا أن يكون صاحب المال هو قادر على شراء كل شيء ، فكم من صاحب مال لا يستطيع شراء سعادته ، و ترى فقيرا تملؤه السعادة ، فالمال ليس كل شيء ، والسعادة لا تتحقق بالمال.
تحدث الكثير من الفلاسفة عن مسببات السعادة، وتنوعت مخرجاتهم من مؤلفات وبحوث ورسائل، من أرسطو إلى بنجامين فرانكلين انتهاء بالدكتور الجليل غازي القصيبي رحمه الله حين قال: إن الإنسان السعيد هو الذي يستطيع أن يحول كل موسم من مواسم الحياة فرصة لنمو طاقات جديدة أو متجددة في أعماقه ..! مع جملة ما ذكروه من اختلافات في أسبابها ومسبباتها واجتماعهم في أغلبها، إلا أنه لا أحد منهم زعم بأن السعادة تشترى!
لقد أصبحت قيمة السعادة اليوم تشكِّل يومًا بعد يوم موضوعًا يكتسي أهمية خاصة بالنسبة للإنسان المعاصر، الذي بدأ بالفعل يشكِّك فيما تقدمه له الحضارة من أشياء تدعي أنها السبيل الوحيد لتحصيل السعادة، وهذه الأشياء بالخصوص هي مجموع الأدوات والوسائل التي تسهل حياته وتخلق له نوعًا من الراحة والرفاهية مثل التقنيات والتطبيقات.. وهذا هو ما يمكن تسميته بالسعادة المدجّنة، بالإضافة إلى الأكل والملبس وكل ما له علاقة بالحياة الرغدة، وكلها أمور أصبحت الحضارة المعاصرة تتفنن في توفيرها للجميع وبثمن قد يكون في متناول أغلب الناس:
فهل السعادة المرتبطة بالمظاهر المادية والعدد التقنية من شأنها أن تمثل بالنسبة للإنسان سعادة حقيقية؟
وهل تكمن السعادة فقط في إرضاء الجانب المادي أم أن هناك جوانب أخرى ينبغي استحضارها حتى تكتمل سعادة الإنسان؟
من هنا أنطلق بالحديث حول مفهوم سعادة الموظف وكيف نساهم في صناعة سعادة مؤسسية Corporate Happiness حقيقية إن رغبنا في ذلك؟! فلن أتحدث في هذه المقالة عن مسؤولية من؟ أو تحت إدارة من تكون في المنظمة؟ فما يحزنني من استقراءاتي ومشاهداتي لحال بيئات العمل اليوم باختزال هذا المفهوم في مبادرات وقتية مرحة أكثر منها مبادرات استراتيجية طويلة المدى وفق دراسات علمية تٌبنى على ثقافة المنظمة ذاتها مرتبطة بقيمها ورسالتها لتؤتي أكلها بعد حين ، فهي ليست عبارة عن صالة رياضية مدمجة في بيئة العمل أو أركان تقدم المشروبات والمأكولات في بهو المنظمة أو زهوراً و قسائم شرائية توضع على مكاتب الموظفين فحسب ! حتى باتت مع الأيام وسيلة تسويق ودعاية مبتذلة لمنظمات بعضها تبحث عن الأضواء بأي طريقة كانت مستغلة فكرة السعادة المؤسسية لديها وتلكم المبادرات بجعلها ككريمات أساس أو كلياسة جدار متشقق غرضها بتلك الدعايات الزائفة سدّ الفجوات ومكامن الفشل لديها نتيجة طفو مشاكلها الداخلية على السطح ، من أجل إضفاء لمعة زائفة للعلامة التجارية الخاصة بها للعمل (Employer Brand)، وإلا فالمعيار الحقيقي هو لغة الأرقام حينما نسّلط الضوء قليلاً على نسبة معدل دوران الموظف في تلكم المنظمات ، ونتائج ونسب استبانات الرضا والاندماج الوظيفي لديها ، ومقابلات مغادرة الموظف ، وأين تقع ضمن مؤشر الصحة التنظيمية ، فيا ترى : لماذا هناك منظمات سعيدة على الرغم بأنها لا تمتلك إدارات ومختصون للسعادة والعكس صحيح كذلك ! ، مع عدم التثريب بشكل كامل على تلكم المبادرات المشار إليها إلا أن هناك قبل كل شيء ركائز أساسية يجب أن نعمل عليها إن أردنا امتلاك سعادة مؤسسية حقيقية تساهم في رفع مستوى إبداع الموظف وإنتاجيته وتقديره لذاته ينعكس ذلك على سمعة المنظمة وأدائها.
إذاً فالسؤال الذي يتبادر إلى ذهن كل واحد منّا الآن هو: ما هي العناصر الأساسية المساهمة في خلق بيئة عمل سعيدة ؟
أستطيع ايجازها على سبيل الذكر لا الحصر بالآتي:
1. الثقة:
إذا كنت تشعر أنك تحت المراقبة فلا يمكنك أن تكون سعيدًا في العمل أبداً، يكون الموظفون والمديرون أكثر سعادة عندما يتمتع كل فرد بحرية القيام بعمله دون مراقبة مقيتة، وهذا يعني ساعات العمل المرنة أو حتى العمل عن بُعد لكي تنجح فهي مسؤولية متساوية للمديرين والموظفين! يجب على المديرين أن يثقوا، ولكن يجب على أعضاء الفريق العمل لمواصلة بناء المسؤولية والحفاظ عليها ، فشعور الموظف بأن مديره أو رب عمله ذو خبرة وكفاءة يؤثر بشكل مباشر على إخلاص واجتهاد الموظفين في أعمالهم والعكس صحيح من خلال إعطاء الصلاحيات للموظفين وتمكينهم من اتخاذ القرارات، ومشاركتهم المعلومات، وطلب مدخلاتهم.
2 .التواصل
الاستماع هو جزء مهم في التواصل مع الموظفين ، فالتواصل الناجح هو طريق ذو اتجاهين. من أجل ذلك، يجب إعطاء الموظفين المساحة الكافية في إبداء ملاحظاتهم واقتراحاتهم تتضمن استخدام استطلاعات آرائهم وعقد اجتماعات منتظمة معهم بحيث يحصل الجميع على الفرصة الكافية في المشاركة ، فهذا لا يجعل الموظفين أكثر سعادة فحسب، بل يزيد أيضًا من قوة تعاونهم.
3. مكان آمن عند الفشل
عندما كنّا صغاراً في المدرسة اعتدنا على التذمر عند العلامات الحمراء، ولكن إذا أرادت المنظمات أن تبتكر وأن تكون رائدة في الابداع واحتضان المبدعين، فإنها تحتاج إلى بيئة عمل مستعدة لتحمل المخاطر والفشل، إذا علم الموظفون والمديرون أنه بإمكانهم تجربة أشياء جديدة مهنية وفشلوا دون تدمير حياتهم المهنية أو إنهاء عملهم، فسيكونون جريئين ، هذه الجرأة الشجاعة يمكن أن تساعد المنظمة بشكل ايجابي على المدى الطويل.
4. مهمة تتجاوز حدود المال
إذا كان عملك يدور حول المال فقط، فستخلق بيئة عمل في النهاية موظفوها يهتمون بالمال فقط ولا يتحركوا إلا به، مجرد السعي وراء الريالات لا يكفي لجعلنا نشبع رغباتنا! نحن بحاجة إلى إشراك الموظف لما يقوم به ويعمل من أجله! تحتاج بيئات العمل اليوم إلى إشراك موظفيها بأن يشعروا بأنه مؤمن بهم، فالإحساس بما وراء المهمة بالإيمان بها يجعل الناس سعداء ، إن وجود مهمة تتجاوز المال يجعل العالم أيضًا مكانًا أسعد بكثير!
5. التحدي المهني
يحتاج الموظفون اليوم إلى التحدي المهني في بيئات أعمالهم ، فبيئة العمل السعيدة بالنسبة لهم هو المكان الذي يتعلمون فيه مهارات جديدة ويطلب منهم توسيع مناطق راحتهم بالدخول في مشاريع أكثر تحدياً ، فإذا نظر أحدهم واعتقد بأنه سيفعل الشيء نفسه بالضبط لخمس سنوات قادمة بروتين جامد ، فلن يكون سعيدًا وسيبدأ في البحث عن بيئة أخرى .
6. اسأل مرؤوسيك عما يريدون
اسأل الموظفون لديك عما يريدونه ويحتاجونه بالفعل، إذا قمت بتنمية ثقافة يتمتع فيها الأشخاص بمستويات عالية من الاستقلالية والمسؤولية، فسوف يزودونك بتعليقات وملاحظات الأكثر قيمة لك وللمنظمة.
7. الشفافية
أحظر التوجيهات والأسرار وأي عنصر آخر يُظهر عدم الثقة في ولاء الموظف أو ذكاءه، وكن أكثر وضوحاً معه تجاه ما يعمله وما يقدمه وما تريده منه وما يريده هو منك.
8. الحكم الذاتي
تحتاج مهنتك اليوم إلى مستويات عالية من الاستقلالية تجاه مرؤوسيك، لذا تذكر بأنك قد وظفتهم لسبب ما: لأجل المهارات التي يمتلكونها، لذا انسَ كل ما تعرفه كمدير عنهم واجعلهم يفعلون ما يمكنهم فعله بشكل أفضل باستخدام تلك المهارات.
9. امنحهم توجيهات وإرشادات فورية
لم تعد دورة الأداء السنوية مجدية بقوة كما هو الحال في السابق خصوصاً مع جيل الألفية ، حيث يريدون التوجيهات والإرشادات الفورية، يريدون أن يسمعوا على الفور ما كان جيدًا وما لم يكن جيدًا من قبلهم.
10. دعم التوازن بين الحياة والعمل
بصفتك مديرًا، يتمثل دورك في دعم مرؤوسك ليكون سعيدًا ومنتجًا قدر الإمكان، لذا لابد من التأكد من أن التوازن بين الحياة والعمل مناسب للشخص المناسب (قد يختلف باختلاف الأشخاص).
11. الشعور بالانتماء
الشعور بالارتباط والانتماء مهم للناس ليشعروا بالسعادة والإلهام، يمكن أن يحدث الابتكار فقط عندما يكون الأشخاص متصلين ويعملون معًا. يتمثل جزء كبير من دورك كمدير في ربط فريقك تجاه أهداف الإدارة وما يعملونه الآن.
12. استثمر في الخبرات لا في الأشياء
يقول توماس جيلوفيتش وهو عالم نفسي وباحث في جامعة كورنويل (الولايات المتحدة) ، ومؤلف الكثير من الأعمال المتعلقة بالسعادة “أفضل ما يمكننا فعله مع مدخراتنا هو استثمارهم في التجارب وليس في الأشياء” ، لذا الاستثمار في الخبرات التراكمية الناجحة سيجعلك أكثر سعادة من الاستثمار في الأشياء.
13. التعزيز الايجابي
بغض النظر عن منصب مرؤوسك، فهو يتوق إلى الاعتراف به وبمنجزاته والفخر بها، تعد الحاجة إلى الاعتراف أحد أهم الأشياء التي يريدها جميع الموظفين عندما يتعلق الأمر بتقييم عملهم.
تذكر أن تقول شكراً، الكلمة التي تعني الكثير. على الرغم من أنه يبدو أنه شيء سهل القيام به، إلا أن هناك عددًا قليلاً من المدراء الذين يتذكرون شكر مرؤوسيهم، في بعض الأحيان يكون من الصعب تحقيق النجاح بدون دافع وبدون اعتراف، إذا رأيت مقدار الجهد الذي يبذله موظف لديك لتحقيق هدف ما ، فقم بالاعتراف به أمام زملاءه والمفاخرة به ، حيث يشجع التعزيز الإيجابي السلوك الإيجابي للمنظمة ويعطي إحساسًا للموظفين فيها بالقيمة التي يخلقونها.
14. الاحترام
فالعلاقات بين الرئيس والمرؤوس تُبنى على الاحترام مما يشعرهم جميعا بالرضا، كل موظف هو فرد له أفضليات ورغبات. إذا تذكرت جميع طلبات الموظفون لديك، فلن ينسوك أبدًا.
احترم حياتهم الخاصة، لا تطلب منهم أبدًا التضحية بحياتهم الشخصية إذا كنت تريد من مرؤوسيك تحقيق أهداف المنظمة.
فالاحترام هو مفتاح التفاهم.
15. تطوير الذات
إذا كنت تريد أن ينمو العمل المنوط بك على عاتق إدارتك، فأنت بحاجة إلى توظيف أشخاص محترفين وطموحين يضعون تطوير الذات أولاً، يمكن لمرؤوسيك إعطاء دفعة للمنظمة إلى الأمام إذا كانوا يريدون اكتساب المعرفة وإتقان المهارات وأن يصبحوا أفضل يوميًا مما يشعرهم بسعادة بسبب ما يعملون عليه. لذا فأنت من يجب أن تشجعهم.
من خلال استعراضنا للعناصر أعلاه نستخلص أن ما يساهم في تعزيز السعادة المؤسسية وسعادة الموظف أشياء لا تُشترى ولا يعدلها ثمن ، تتصل بتمكين الموظف على المستوى الشخصي والمهني، وإشراكه في صناعة القرار، ومعرفته للمعنى من مهامه وما يقوم به، وقبول إبداعه، ودعمه في إثراء اهتماماته الشخصية، وتقبل مستوى معقول من جنونه أحياناً إن صح تعبيرنا دون توبيخ ، وإعطائه جواً من المرونة في العمل، ورفع مستوى التواصل والشفافية بينه وبين مرؤوسيه والجميع.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال