الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
نالت سوق المال السعودية شهرةً عربيةً وعالميةً واسعةً على صعيد القيم التداولية والسيولة، وقد ساهم إدراج شركة أرامكو في وصول سوق “تداول” إلى المرتبة 20 عالمياً والأولى عربياً على سلَّم أسواق المال المنظمة “البورصات” عام 2020.
تُشكِّل هذه السمعة الطيبة ودرجة التفوُّق المالي، مسؤوليةً ثقيلةً على إدارة سوق تداول، التي ترزح تحت ضغطٍ كبيرٍ للمحافظة على هذه الإنجازات، والاستمرار والصعود في درجات القيم السوقية والسيولة.
في هذا الخصوص، يكون لقواعد الإدراج دوراً أساسياً في نجاح إدارة البورصة للقيم السوقية المتداوَلة فيها؛ حيث يجب على السوق تقييم الشركات التي تطلُبُ الإدراج ضمن إطار معاييرٍ ماليةٍ دقيقةٍ، ذلك بهدف تحديد فئة الشركات الناجحة والنشيطة المسموح لها إدراج أسهمها في السوق.
وبهدف فتح الباب أمام أكبر قدرٍ ممكنٍ من الشركات الواعدة للإدراج في سوق تداول، فقد تمَّ إنشاء سوقٍ جديدةٍ موازيةٍ للسوق الرئيسية، وهي سوق “نمو” الموازية التي بدأت في 26 فبراير عام 2017، وهي سوقٌ تتمتَّع بشروط إدراجٍ أقل صرامةً وأكثر مرونةً من السوق الرئيسية.
كان الهدف من وجود سوق نمو الموازية هو إتاحة المجال أمام شركات الصفِّ الثاني حتى تأخذ فرصتها للاستفادة من فرص التمويل وتعظيم قيمتها السوقية، وفي نفس الوقت، عزل هذه الشركات عن سوق شركات الصف الأول، حتى لا تتأثَّر السوق الرئيسية بتقلُّبات أسعار الأسهم الموازية.
وبالنظر إلى قواعد الإدراج بآخر تعديل لها في 1442 هـ/2021 م الصادرة عن سوق “تداول” الرئيسية، فقد كان تركيز شروط الإدراج ينصبُّ على:
*القيم السوقية؛ بما لا يقلُّ عن 300 مليون ريال للشركة في الإدراج الأول للسهم كقيمةٍ سوقيةٍ إجماليةٍ (م/7-و قواعد الإدراج).
*السيولة؛ وقد فسَّرتها القواعد بعدد مساهمين لا يقلُّ عن 200 مساهم، وبتوزيع مجموع الأسهم على الجمهور بما نسبته 30% (م/7-ب قواعد الإدراج)، فإذا كان عدد المساهمين 200 مساهماً، وَجَبَ أن يكون للجمهور ما لا يقلُّ عن 60 سهماً.
أما بخصوص سوق “نمو” الموازية:
*القيم السوقية؛ لا تقلُّ عن 10 مليون ريال للشركة في الإدراج الأول للسهم كقيمةٍ سوقيةٍ إجماليةٍ (م/41-ز قواعد الإدراج).
*السيولة؛ لا يقلُّ عدد المساهمين عن 50 مساهماً، وبتوزيع مجموع الأسهم على الجمهور بما نسبته 20%، أو ألاَّ تقل قيمة الأسهم المَمْلوكة للجمهور عند الإدراج عن 30 مليون ريال أيُّهما أقل (م/41-ب قواعد الإدراج)، فإذا كان عدد المساهمين 50 مساهماً، وَجَبَ أن يكون للجمهور ما لا يقلُّ عن 10 أسهم (20 %)، وبالنسبة للمعيار الثاني إذا كان رأس مال الشركة 110 مليون ريال فيمتلك الجمهور ما قيمته 33 مليون على الأقل.
وهنا نتساءل: أين حوكمة السيولة من شروط الإدراج المذكورة؟
هل من الإدارة الرشيدة لسوق المال المُنظَّمة أن تضع تركيزها على القيمة السوقية وانتشار رأس المال على جمهور المساهمين فقط؟
يبدو أنَّ إدارة سوق “تداول” كانت حريصةً على منح أكبر فرصةٍ ممكنةٍ للشركات المتوسِّطة -العائلية بشكلٍ خاصٍّ- حتى تتحوَّل إلى شكل شركةٍ مساهمةٍ، ثم الإدراج في السوق؛ وهو ما سينعكس إيجاباً على القيم التداولية والمستقبل المالي والتشغيلي للشركات.
علاوةً على ذلك، تستطيع السوق بعد موافقة الهيئة أن تتجاوز عن المعايير السابقة (م/7-ب+و رئيسي / م41-ج+ز موازي)، أو منح مهلةٍ للشركة الراغبة بالإدراج إذا كانت تفتقر للسيولة المطلوبة، بعدها يمكن للسوق تعليق التداول على سهمها (م/36-ج-4 قواعد الإدراج).
بالإضافة إلى كلِّ هذه التسهيلات، فقد ذكرت سوق “تداول” في تعديلات سوق “نمو” الموازية -التي تمَّ تطبيقها بدءاً من عام 2020- أنَّ الشركات تستطيع أن تُدرجَ في السوق الموازية لأول مرةٍ دون اكتتاب جديدٍ (https://www.tadawul.com.sa).
هذا يعني أنَّ التوزيع المشروط على الشركة على جمهور المستثمرين يمكن أن يتمَّ خلال مهلة زمنية اعتماداً على انتقال الأوراق المالية الصادرة مُسبقاً بين المتداوِلين في السوق، ذلك دون حتى اشتراط اكتتابٍ أوليٍّ قبل الإدراج، مع أنَّ هذا الاكتتاب كان سيُساهم في وصول الشركة بشكلٍ أكثر ضماناً وسرعةً إلى نسب السيولة المطلوبة منها.
وكرؤيةٍ شخصيةٍ، لا يبدو أنَّ التساهل مع إدراج الشركات المتوسِّطة ذات المخاطر المالية المرتفعة أمراً إيجابياً، خاصَّةً مع آثار أزمة كورونا على القطاع المالي، ذلك بشكلٍ خاصٍّ في السوق الموازية التي تتَّصف عادةً بأنَّها أقلُّ قوةً من حيث المركز المالي عن السوق الرئيسية.
بناءً عليه، يبدو أنَّ حوكمة السيولة في شروط الإدراج تحتاج إلى معيارٍ جديدٍ قادرٍ على تقييم سيولة الشركة، ليس من حيث انتشار أوراق الشركة بين المالكين، بل من حيث قدرتها على الانتقال فيما بينهم.
وبكلماتٍ أخرى، يمكن إضافة شرطٍ جديدٍ للإدراج يتمثَّل بفرض نسبةٍ دنيا من “دوران الأسهم” بين المساهمين مثلاً، وليس فقط انتشار الأسهم على فئاتٍ منهم، ذلك في السوق الموازية بشكلٍ خاصٍّ.
على سبيل المثال، إذا كان عدد أسهم الشركة 300 سهماً، فلا يكفي لقبول الإدراج أن يكون للجمهور 60 سهماً، بل أن يكون معدَّل دوران الأسهم الصادرة قبل الإدراج بين الجمهور ضمن نسبةٍ دنيا معينةٍ.
بهذه الطريقة، لن تقتصر شروط السيولة المطلوبة للإدراج على انتشار الأوراق المالية على المستثمرين فقط، بل على دورانها فيما بينهم أيضاً، وهو ما يضمن معايير جودةٍ أعلى في الشركة المدرجة، ويُساهمُ في دعم سيولة سوق تداول، وفي قدرتها على تحقيق وظائفها والارتقاء بنموِّ القيم السوقية من خلالها.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال