الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يثور تساؤل في غاية الأهمية دائما وهو أليست القواعد الفقهية تكفي لوضع تشريعات تجارية باعتبارها مصدر أكيد ولازم لهذه التشريعات؟ للإجابة على هذا التساؤل ينبغي تنظير وتأصيل العملية فقهيا من أساسها. ومن حيث الأساس فإن أكثر ما تعتمد عليه التجارة في عصرنا هذا هي عمليات التمويل. فالتاجر قد يلجأ لأسلوب الاقتراض المباشر أو قد يلجأ لأساليب أخرى قد تتمثل ببيع الدين التجاري حرصا منه على سمعته بحيث أن هذه الأخيرة لا تخدش وضعه وملاءته المالية.
ومن حيث الاعتبار فإن القرض في التنظيمات العالمية، والتي تأثر بها المشرع الكويتي بكل تأكيد يكون مصحوبا بفائدة وإلا قد يثور التساؤل ما فائدة المقرض من إقراضه وهو عادة ما يكون بنكا تقليديا؟ إذ أن القرض في أساسه تشغيل لأموال المدخرين لديه بحيث يضمن لهؤلاء حصولهم على الأرباح كما هو متفق عليه بدءا من الادخار. وتعرف الفائدة بهذا الشكل في النظام الشرعي بكونها ربا محرم. إذ تنظر الشريعة الإسلامية إلى هذه القروض أنها من أعمال البر وبالتالي فقد نهت الشريعة عن الإقراض لوجه الاستثمار على أصل المبلغ واعتبرت أن كل قرضا جر نفعا فهو ربا.
وقد يتساءل البعض ألم توجد الشريعة البدائل المناسبة لهذا النوع من التمويل المحرم؟ بكل تأكيد ستكون الإجابة بنعم قد أوجدت أنواعا مختلفة:
بيع المرابحة للآمر بالشراء: وهو أن يشتري البنك السلعة المأمور بشرائها ويقبضها قبضا شرعيا بحيث تكون تحت ضمانه شريطة ألا يتم بين البنك والعميل وعد بالشراء قبل تملك البنك لهذه السلعة. واشتراط أن تكون السلعة تحت يد البنك بأن يقبضها قبضا حقيقيا هو تحمله لتبعة الهلاك إن كانت وإلا في خلافه فإن العملية تكون مجردة عن الصيغة الشرعية وتحايل على أحكام تحريم الربا. إن ها النوع من التمويل تأثرت به العديد من الأنظمة العالمية المالية والمعاصرة كالجمهورية الفرنسية.
يراجع مقالة
Stephane Pape ‘Normes islamiques et droit interne en France; De quelques zones de confluences’
الإجارة التمويلية: وكذا هو الحال بالنسبة لتنظيم الشريعة لمسألة الإجارة التمويلية وهي نظام تمويلي مكون من عقدين أولهما إجارة وثانيهما بيع مرابحة مستتر يقوم بموجبه الممول وهو في حالتنا قد يكون مصرفا إسلاميا أو مؤسسة إقراض وتمويل عادية بناء على طلب العميل أن تقوم بشراء آلات ومعدات أو أية أصول أخرى بحيث يتملكها الممول أولا ثم يدفعها إلى طالب التمويل على سبيل الإيجارة التمويلية مع التعهد بالتنازل عن ملكيتها في نهاية المدة المتعاقد عليها مقابل الدفعات التي دفعها طالب التمويل متمثلة بثمن المرابحة إجمالا. أو قد تأخذ صيغة أو أسلوبا مغايرا بحيث يقوم طالب التمويل وهو بحاجة إلى السيولة ببيع أصل انتاجي يملكه إلى الممول وهو في حالتنا هه المصرف الإسلامي أو مؤسسة الإقراض فيبيعها بشرط التوقيع على الإجارة التمويلية بحيث تنتهي بإعادة تمليك الأصل إلى طالب التمويل من جديد بعد دفع بدلات الإيجار بحسب ما هو متفق عليه زمنيا.
الصكوك التمويلية: يعرف الصك بأنه ورقة مالية ذات قيمة إسمية متساوية مع غيرها من الصكوك المصدرة تمثل كلا منها حصة شائعة من قيمة إجمالية لرأس مال معين أو حقوق ناشئة عن مشروعات تجارية أو تدفقات نقدية أخرى. والصكوك هي أداة تمويلية لحاملها ذلك أنها تكون في الحسبان خارج ميزانية الشركة أو الجهة المصدرة لها. ويتشابه بذلك مع السند اللهم الاختلاف بينهما أن السند يكون ذو قيمة ثابتة إلا فائدة الصكوك تكون ناتجة عن ربح ترتب على ممارسة نشاط تجاري معين والذي استخدمت في شأنه هذه الصكوك. وبذلك تختلف هي أيضا عن السند بحيث يمكن اعتبار الأول دينا لحامله على الشركة أما الآخر فهو ربح ناتج وحامله شريك في هذا الربح وليس دائنا للشركة. وهي بذلك تقوم على مبدأ الغنم بالغنم والغرم بالغرم وتخرج عن كونها ناتجة عن الغرر. وهي مناسبة لمساعدة صغار المستثمرين في تنمية مدخراتهم وتعتبر أحد أشكال المال السائل في السوق.
المشتقات المالية: تعتبر المشتقات المالية من أهم الأدوات المالية في سوق الأوراق المالية وهي تنطوي على عدد من التعاملات كعقود الخيارات والمبادلات والعقود الآجلة والمستقبلية. وقد جاءت أقوال من هنا وهناك تنكر على هذه الأدوات من منظور إسلامي التعامل بها بحجة أنها من قبيل الغرر. والحقيقة أن الشريعة الإسلامية قد أجازت التعاملات التي يكون فيها الثمن مؤجلا وليس في مجلس التعاقد كما هو الحال في بيع السلم مثلا. والذي يطبق عليه حكما عقود الخيارات والعقود الآجلة والأخيرة هي علاقة تعاقدية محلها أوراق مالية بين بائع ومشتري لها بغرض بيع أو شراء عددا من الأصول محل التعاقد ويتم تنفيذ العقد بتاريخ مستقبلي بثمن متفق عليه حالا. أما بالنسبة لعقود المستقبليات فهو عقد ملزم بين طرفيه يتم تداوله في سوق منظمة بثمن متفق عليه محدد سلفا تختلف هي بطبيعة الحال عن العقود الآجلة بحيث الأولى يتم تنفيذها وتنظيمها بسوق منظمة. أم بالنسبة لعقود المبادلات فهي عادة ما يتكون في سبيل تبادل سعر فائدة ثابتة بأخرى متغيرة عائمة تتم خارج منصات التداول. طبعا في هذه الصورة تأخذ حكم الربا المحرم شرعا لكن قد تأخذ شكلا شرعيا من خلال تبادل الأرباح الناتجة عن عقود التمويل كما هو في الحال بالنسبة لعقد المرابحة للآمر بالشراء ويتم تبادل الدينين شريطة عدم الزيادة عن أصل رأس المال وإلا أخذ حكم ربا الفضل، فنكون في هذه الحالة أمام عملية الحلول الاتفاقي. وتنفع المشتقات المالية في هذه الحالة أمامنا باعتبارها وسيلة تمويل لحامل الورقة المالية والذي لا يتوفر لديه سيولة حاليا. وذلك من خلال ابرامه مجموعة من العمليات والتي يكون فيها تنفيذ الالتزام مؤجلا بالسداد وهو ما يتيح له مكنة التشغيل على الرغم من عدم توفر السيولة اللازمة. وهنا في هذا خدمة ومصلحة لصغار المستثمرين في سوق الأوراق المالية.
صمود النظام الاقتصادي الإسلامي في مواجهة الأزمات المالية: إن مما لا شك فيه أن الأزمة العالمية المالية التي وقعت قرابة 10 أعوام كانت بسبب في توظيف ضمانات مالية ضخمة بمعدلات فائدة غير ثابتة في السوق العقارية. وبسبب هذه التوظيفات المبالغ فيها فقد شهدت هذه الأسواق إقبالا كبيرا من المستثمرين فقامت البنوك على إثرها ببيع ديون القروض المتجمدة لديها لشركات متخصصة في ذلك بهدف التقليل من مخاطر السيولة عبر أسلوب المضاربة فلم يعد الهدف هو حماية المدخرات لكن تحول عوضا عن ذلك إلى الطمع المبالغ به في تحقيق أرباح وهمية خاصة مع هيمنة النظريات الرأسمالية على السوق الأمريكية القائمة على تحرير الأسواق تماما. وكنتيجة لذلك فلقد فقدت المؤسسات المالية قرابة 11 ترليون دولار بسبب الغرر والمقامرة. وبناء عليه فلم تتأثر المؤسسات القائمة على الفكر الإسلامي بما حدث وذلك لكون هذا الأخير يحرم الغرر تحريما كاملا “نهى رسول الله عن بيع الغرر” وقيامه نشاطه على فكرة المشاركة في الأرباح والمخاطر وقيام الأسلوب الاستثماري على أسلوب التحوط أيضا
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال