الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يحظى التحكيم بشعبية كبيرة، لا سيما في العقود التجارية الدولية، ومن أهم الأسباب تلك الحظوة هو أن التحكيم هو الطريق الأسرع لحل النزاعات، وإمكانية تنفيذ أحكامه في مختلف الدول الموقعة على اتفاقية نيويورك (١٩٥٨م) التي اتفق موقعوها على تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية. والتحكيم كما عرّفه نظام التحكيم السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/ ٣٤) بتاريخ ٢٤/ ٠٥/ ١٤٣٣هـ (٠٨/ ٠٦/ ٢٠١٢) أنه اتفاق بين طرفين أو أكثر بينهم علاقة نظامية على أن يحيلا إلى التحكيم جميع أو بعض المنازعات المحددة التي قد نشأت أو قد تنشأ بينهما في المستقبل، سواءً أكان اتفاق التحكيم في صورة شرط تحكيم عند العقد وقبل النزاع، أم في صورة مشارطة تحكيم مستقلة بعد العقد وعند النزاع. واشترط نظام التحكيم السعودي في المحكم أن يكون حاصلا على شهادة جامعية في الشريعة أو الأنظمة، ولكنه اكتفى باشتراط هذا الشرط في رئيس هيئة التحكيم فقط إذا كانت مكونة من أكثر من محكّم؛ وفي هذا ميزة في أنه يحق لأطراف النزاع اختيار خبراء متخصصين بمجال النزاع ليكونوا أعضاء في هيئة التحكيم، كأن يكون عضو هيئة التحكيم مهندسًا معماريًَّا إذا كان النزاع في قطاع الإنشاءات مثلاً.
وعند إبرام عقد تجاري، فقد لا يتنبأ أطرافه بأن نزاعًا تجاريًا سينشأ لاحقًا، وقد يعوّلون في إبرام عقودهم على نماذج لعقود جاهزة متوفرة على الشبكة مجانًا أو برسوم رمزية؛ توفيرًا للتكلفة، وعدم تحسّب لما قد ينشأ من نزاع. ونتيجة لاعتمادهم على تلك النماذج الجاهزة تجد أطراف العقد تائهين عند النزاع، ولا يعرف كل طرف التزاماته وحقوقه في هذا العقد على وجه التحديد. ومن تلكم العواقب، الاتفاق في العقد بشكل افتراضي على التحكيم عند النزاع بدلاً من التقاضي عند المحاكم من غير تثيبت وتيقن من الطرفين بأن التحكيم هو الخيار الأنسب لهما. وأيضا، فإن طريقة صياغة شرط التحكيم في هذا العقد قد يؤدي إلى نزاع آخر أُهمل تفصيله، فلا يتضمن العقد مكان التحكيم ولا القانون واجب التطبيق، ولا طريقة اختيار المحكم، ولا مدة التحكيم ونحو ذلك. فإذا كان العاقدان يستعملان عقدًا مجهّزًا سلفًا، فمن الأولى المراجعة والتدقيق في الشروط المؤثرة في العقد بعناية، ومن أهمها اختيار طريقة حل النزاع الأمثل بوضوح، ومعرفة مدى ملاءمة التحكيم لهذا العقد من عدمه.
إذن، فهل الالتجاء إلى التحكيم هو الاختيار الأفضل في التعاقدات والنزاعات التجارية؟ يمكن القول بأن التحكيم قد يكون مفضلاً بشكل خاص في العقود التجارية الدولية أو العقود المعقدة، كعقود الإنشاءات الضخمة بملايين الريالات، وذلك لما تقتضيه من تداخلها في أمور فنية من رسومات وتصميمات ومواصفات وخرائط هندسية ونحو ذلك، ولما تتطلبه طبيعة تلك العقود من سنوات عديدة لتنفيذها، والغالب أنه كلما طالت مدة العقد، زادت تعقيداته، فيُرجّح في هذه الحال خيار التحكيم مع ترشيح محكّم يمتلك مستوى كافيًا من الخبرة في الأمور الفنية المتعلقة بالعقد، والتي قد يفتقر إليها القضاء.
ومما يؤكد على مناسبة اختيار التحكيم في العقود الدولية أو الضخمة، أن طبيعة تلك العقود تستوجب الاطلاع عليها من خبير قانوني أو فني، مما دعا نظام المحاكم التجارية -على الجانب الآخر- إلى إلزام الاستعانة بمحام إذا بلغت قيمة المطالبة في العقد التجاري عشرة مليون ريال فأكثر.
فقد جاء في نظام المحاكم التجارية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/ ٩٣) وتاريخ ١٥/ ٠٨/ ١٤٤١هـ (٠٨/ ٠٤/ ٢٠٢٠)، وجوب الاستعانة بمحام في حالات معينة، ومنها بلوغ قيمة المطالبة في العقد التجاري التجاري عشرة مليون ريال فأكثر، وفي هذا إشارة إلى ما تستلزمه تلك القضايا من فحص دقيق في الوقائع والمستندات والأدلة. وهذا الأمر هو بخلاف الدعاوى التجارية التي تكون قيمة المطالبة الأصلية فيها ما بين المائة ألف ريال والعشرة مليون ريال، فلا يجب فيها الاستعانة بمحامٍ حينئذٍ. ويمكن التمثيل لهذه العقود التي لا تستوجب الاستعانة بمحامٍ العقود المتعلقة بالمنشآت الصغيرة والمتوسطة؛ فيحق لأطراف هذا العقد التجاري الترافع بنفسيهما أو بمن يوكلانه.
وحيث إن الأصل في التقاضي في السعودية هو مبدأ مجانية القضاء، فلن يتكلف العاقدان في العقود التجارية للمنشآت الصغيرة والمتوسطة أية التزامات أو أعباء مالية نتيجة ترافعهما، وعليه فقد لا تكون هناك ضرورة أو حاجة للجوء إلى شرط التحكيم في مثل هذه العقود، لا سيما مع تطور إجراءات التقاضي والتي قد تحفز المتعاقدين للاتفاق على الترافع من خلال المحاكم التجارية، حيث الترافع الإلكتروني والتقاضي عن بُعد، ابتداءً من رفع الدعوى، وتبادل المذكرات، والنطق بالحكم وصدوره والاعتراض عليه واستئنافه وانتهاءً بتنفيذه.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال