الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
نرى بأعيننا اليوم جهود المملكة لتوفير المزيد من الفرص لشبابنا الواعد؛ العديد من الفرص الإبداعية تلوح في الأفق مع كل إعلان لخطة من خطط حكومتنا ضمن رؤية المملكة 2030. لكن هل نحن مستعدون كفاية لهذه الفرص؟! لفت نظري في الأونة الأخيرة أنه على الرغم من محاولات المنشآت للتطور، لمواكبة التقدم السريع الذي نعاصره الآن، إلا إنّ العديد من هذه المنشآت قد أغفل نقطة في غاية الأهمية وتستدعي كل الاهتمام؛ ألا وهي عملية التوظيف، التي لا يبدو أنه يتم العمل على تطويرها بالشكل الكافي. ما أكد لي ذلك دراسة قرأت عنها مؤخرا، قامت بها مؤسسة “جارتنر” للاستشارات؛ هذه الدراسة ذكرت أن الأشخاص أصحاب المهارات اللازمة للوظيفة المُرشحين لها، يمثلون فقط نسبة 16% من إجمالي الموظفين! تخيل أن منشأتك على سبيل المثال تمتلك 100 موظف، فوفقاً للدراسة من المرجح أنك تمتلك فقط 16 موظفاً يمتلكون جميع المهارات التي تؤهلهم للعمل في وظيفتهم الحالية وتؤهلهم أيضاً لأي تطورات تطرأ على مجال العمل.
هذا الأمر قد لا تبدو عواقبه ظاهرة الآن، لكن مع التطورات المستمرة في سوق العمل والتي وعلى غير المتوقع قد ازدادت خلال فترة جائحة كوفيد 19، هناك عواقب وخيمة ستؤثر بشكل كبير على سير العمل وعلى إنتاجية المنشآت. يرجع هذا الأمر بالتأكيد لمدى كفاءة عملية التوظيف داخل المنشآت، والذي من الواضح جداً أنها تحتاج لبعض التعديلات لتتناسب مع هذه المرحلة التي نعيشها الآن، ومع التحديات التي من المحتمل أن نقابلها في المستقبل. لذا وددت أن ألقي الضوء في مقال اليوم، على إعادة بناء عملية التوظيف بما يتناسب مع التطورات الحالية في مجال العمل.
وجدت دراسة “جارتنر” أن العاملين في بعض المجالات مثل تكنولوجيا المعلومات، والمبيعات، والشؤون المالية ستتطلب وظائفهم أكثر من 10 مهارات جديدة خلال الفترة القادمة، الأمر الذي يتطلب من المسؤولين عن عملية التوظيف في المنشآت أن يكون لديهم معرفة جيدة بهذه المهارات، حتى تكون اختياراتهم سليمة للمرشحين الجُدد للوظائف الشاغرة؛ وأن يكونوا على دراية بماهية المهام الجديدة التي سيتطلبها العمل في هذه الوظائف، سواء في وقتنا الحالي أو في المستقبل القريب. فالاختيار الصحيح للموظفين ذوي المهارات المناسبة، والتي يعملون على تطويرها باستمرار؛ سيُساهم بشكل كبير في عملية تطوير العمل داخل المنشآت، وأيضاً لن تحتاج المنشأة لتسريح الموظفين كل فترة بسبب أنهم أصبحوا غير قادرين على مواكبة تطور العمل.
من الأشياء الأخرى التي لفتت نظري في هذه الدراسة، ولفتت نظري أيضاً على أرض الواقع، هو أن المنشآت مازالت تختار موظفيها باستخدام مقاييس توظيفية تقليدية وقديمة وغير مناسبة مع التطور الحالي. ففترة الحجر الصحي قد ساهمت بشكل كبير في زيادة التعلُم الافتراضي، مما ساعد العديد من الأشخاص في الحصول على مهارات جديدة وإظهار المزيد من المواهب. يجب أن نأخذ هذه النقطة بعين الإعتبار عند اختيارنا للموظفين الجُدد، فالأمر أصبح لا يمكن قياسه بالطرق القديمة مثل تحديد شهادات من مؤسسات أو هيئات معينة؛ بل أصبح الأمر يحتاج منا النظر للمهارات الحقيقية للشخص وقدرته على الإبداع والتعلم الذاتي المستمر. وهذه نقطة أخرى مهمة يجب أن يتم تحديثها في عملية التوظيف من أجل اختيار الموظفين بشكل عادل يُضيف من رصيد ازدهار المنشأة.
نقطة أخرى نحتاج للعمل عليها في عملية التوظيف، وهي أن ندرك أن اكتساب المرشحين للمهارات الجديدة جعلهم إنتقائيين بشكل أكبر في اختيارهم للوظيفة المناسبة. لذلك يجب على المنشآت إظهار مميزاتها التوظيفية التنافسية مثل الإدارة الممتازة، المكافآت والحوافز المالية، وفرص التطوير الوظيفي، ومميزات بيئة العمل، وغيرها من المميزات لجذب أصحاب المهارات الإبداعية. أيضاً مع تزايد فرص العمل عن بعد خلال فترة الحجر الصحي، فالعديد من الموظفين أدركوا قيمة الحرية في إدارة العمل وإدارة الوقت بأنفسهم؛ لذلك أصبح من المهم توفير نظام عمل مرن.
أخيراً؛ يجب على جميع المسؤولين عن عملية التوظيف فهم نقطتين في غاية الأهمية: أولهما، التركيز على اختيار الأشخاص لأصحاب القدرات التي تؤهلهم لمواجهة تحديات المستقبل، بدلاً من التركيز على الخبرة وقياسها بالطرق التقليدية المعتادة التي لم تعد مفيدة كالسابق. ثانياً، إظهار مدى كفاءة المنشأة في مواجهة الأزمات يجذب المزيد من المرشحين ذوي المهارات الممتازة الذين يمثلون إضافة جيدة للمنشأة، هذه النقاط تدفعنا لإعادة بناء عملية التوظيف من أجل تحقيق الازدهار المطلوب، واغتنام الفرص المتاحة في السوق الآن بشكل أكثر حكمة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال