الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تعد “السعادة” أمر نسبي، فكل شخص يُقيّم السعادة ويُعرفها حسب تصوره وحسب تطلعاته كما تختلف مفاهيم السعادة من ثقافة إلى أخرى ومن مجتمع لأخر. ولقياس السعادة (رقمياً) وضعت منظمة الأمم المتحدة عدداً من مؤشرات الرفاهية الاجتماعية لمقارنة الدول والتي بالطبع تعكس الظروف الاقتصادية والسياسية التي يتأثر بها الفرد وتنعكس على تقييمه لمستوى سعادته. من ناحية أخرى، فيمكننا هنا طرح آلية من شأنها زيادة مستوى السعادة لدى الفرد أياً كانت الظروف المحيطة به دون أن تقلل من أهمية المؤشرات الدولية.
وبالرغم من تعدد التعريفات لمفهوم السعادة إلا أنه يمكن تلخيصها بمدى قدرة الانسان على التوفيق بنجاح بين حاجاته المادية والنفسية والروحية المختلفة. كما أن استحالة اشباع هذه الحاجات في الوقت ذاته وبشكل كامل يعني وجود تضحية ناتجة من ضرورة الاختيار بين البدائل المتاحة، وذلك تحت قيد العدد المحدد من الساعات في اليوم التي لا يمكن للفرد تجاوزها أو سنوات عُمره التي يعيشها. ومن نافلة القول أن وصول الفرد لأعلى مستوى سعادة له لا يتحقق من خلال الانغماس والافراط في سلوك معين لمجرد اعتقاده أنه بذلك سيحقق سعادته القصوى. في الواقع هذا المستوى لسعادة الفرد يتأتى فقط عبر الاعتدال في إشباع حاجاته المادية وأيضاً غير المادية، وذلك لأن الاختيار بينها يخضع لقانون طبيعي يتمثل في تناقص المنفعة الحدية (الإضافية) الناتجة عن زيادة الكميات التي يغطيها من هذه الحاجات.
ولذا ينبغي أن يوازن الانسان في توزيع وقته بين العمل والترفيه (مثلاً) ويتجنب الانغماس في أحدها على حساب الأخر وذلك بما يتسق مع المنطق السليم. فهذا المنطق يدرسه طلبة الاقتصاد من خلال ما تقدمه لنا “منحنيات السواء” التي تعكس مستوى متساوياً من المنفعة عند توليفات مختلفة لكميات يستهلكها الفرد من السلع والخدمات (لإشباع حاجاته) في ظل دخله المحدود. وباستخدام الوقت كقيد بدلاً من الدخل، فيمكن افتراض أن الفرد مرتبط بعدد ساعات اليوم، وبالتالي لا يمكنه أن يصل لأفضل توليفة تعطيه أعلى مستوى من المنفعة إلا من خلال الإحلال بين هذه الحاجات.
وباستخدام مفهوم منحنيات السواء، والتي يمكننا تسميتها هنا “منحنيات السعادة” يتضح أنه لو كان الفرد يختار بين سلعتين (العمل والترفيه) فان إنفاقه كل اليوم على أحدهما فقط، أو أحدهما دون الأخر سيعطيه مستوى سعادة منخفض، بينما المزج بينهما ينقله إلى مستوى سعادة أعلى. ولذا، فتعديل الفرد للكميات من السلعتين باتجاه نقطة التوازن ستوصله حتماً إلى المستوى الأمثل، حيث لن يكون لديه بعدها حافزاً للتغيير لأن هذا من شأنه تخفيض مستوى السعادة لديه. باختصار، يمكننا القول إن الاعتدال في إشباع الحاجات المختلفة هو الطريق لزيادة السعادة لدى الإنسان بغض النظر عن تعريفاتها أو يمكن قياسها. كما أن هذه النتيجة تتوافق مع مقاصد ديننا الحنيف الذي يؤكد على الاعتدال والوسطية في السلوكيات كوسيلة لتحقيق السعادة الحقيقية في الدنيا والأخرة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال