الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
من المبادئ الاساسية في التحكيم هي أن المحكم يجب ان يكون محايد ومستقل في اتخاذ الحكم في النزاع الذي يحكمه، بالاضافة الى هذا المبدأ، يوجد مبدأ الإفصاح عن ما إذا كان له مصلحة في موضوع النزاع بشكل مباشر او غير مباشر، ويكون ذلك الافصاح لطرفي التحكيم. وهذه المبادئ توجد بنظام التحكيم السعودي وانظمة التحكيم الدولية مما تجعلنا نشعر انها واضحة ولا تحتاج الى اي نقاش. لكن ماذا عن قضية Halliburton v Chubb.
تدور وقائع هذه القضية حول عندما انفجر جهاز الحفر Deepwater Horizon في خليج المكسيك في عام 2010. مما كبد شركة البترول Halliburton خسائر مادية ضخمة، لذلك سعت إلى الحصول على تعويض من شركة التأمين Chubb. ونتيجة لعدم اتفاق الأطراف على مبلغ التعويض، بدأت الشركتان بإجراءات التحكيم. وفقا لنظام التحكيم الإنجليزي، اختار كل طرف محكما عنه، وبقى رئيس هيئة التحكيم حيث قام نزاع حول من يجب تعيينه كرئيس للهيئة.
تم حل هذا النزاع في النهاية من قبل المحكمة التجارية ، التي عينت السيد كينيث روكيسون “ Mr Kenneth Rokison QC “كرئيس حيث روكيسون مقترح اسمه على المحكمة التجارية من قبل شركة التأمين Chubb. بدأت المشكلة عندما تعيينه روكيسون كمحكم في قضية اخرى، حيث تم اختياره بناء على اقتراح وتوصية مقدمة من شركة Chubb. على الرغم من أن Chubb لم تكن طرفا في النزاع الثاني، الا ان روكيسون كان من المفترض ان يصرح ان تعيينه في النزاع الأخير كان بناء على اقتراح من شركة Chubb. عندما اكتشفت شركة Halliburton هذه الحقيقة لاحقًا ، سعت إلى عزل السيد روكيسون كمحكم على أساس التحيز الواضح بموجب المادة 24 (1) (A) من قانون التحكيم الإنجليزي لعام 1996.
زعمت شركة Halliburton أن من يلاحظ سيناريو التحكيم، سوف يستنتج أن هناك احتمال حقيقي لتحيز روكيسون لصالح شركة Chubb. المثير للجدل في هذه القضية، أن المحكمة العليا في بريطانيا، أصدرت حكمها بأنه وبناءً على وقائع القضية لم يكن هناك تحيز واضح ، وبالتالي لا يوجد سبب لإقالة السيد روكيسون كمحكم على النزاع الدائر بين Halliburton و Chubb. تعتبر هذه القضية سابقة قضائية حكم فيها في عام 2020، حيث ان المحكمة اقرت في حكمها بأن الحياد اساس على المحكم، وان الافصاح عن علاقته أطراف التحكيم او مشاركته بعمليات تحكيم اخرى ذات علاقة بأطراف نزاع في قضية التحكيم التي ينظر بها واجب قانوني لا يتعارض مع مبدأ سرية المعلومات إلا في حال تنازل أحد أطراف النزاع عن حقه بالإفصاح عن هكذا معلومات. لكن المحكمة ايضا قامت بأداء اختبارات لكشف ما إذا كان هناك تحيز لصالح أحد طرفي التحكيم مجال المحكمة تقيم تحليل لمدى توافر أساسيات النزاهة في التحكيم، فلم تجد ما ادعته Halliburton. وبناء عليه، حكمت المحكمة البريطانية العليا بأنه لا مانع أن يشارك المحكم في اكثر من نزاع ذات علاقة ببعضها بشكل مباشر او غير مباشر، بشرط الافصاح واثبات الحياد.
تعتبر هذه السابقة القضائية مثار جدل على صعيد التحكيم الدولي، حيث أن هذا الحكم لم يكن متوقع من قبل البعض إذ أن الإفصاح لم يحدث بداية على الرغم من ان الافصاح هنا واجب قانوني وليس ممارسات جيدة غير ملزمة،وعلى الرغم من ذلك حكمت المحكمة بعدم اقالة روكيسون.
بشكل عام، يمكن القول إن مشاركة الأطراف في تعيين المحكمين تزيد من احتمالية التحيز في اتخاذ الحكم، عند مقارنتها بالقضاة أو هيئات المحلفين الذين يتم تعيينهم من قبل المحاكم. ولكن يتم تخفيف هذه المخاطر إلى حد ما من خلال واجب الإفصاح الواضح في القانون الإنجليزي وقدرة الأطراف على طلب إزالة المحكمين. ولكن اهمية هذه القضية هي ان اقالة المحكمين ليس فقط نتيجة لعدم الافصاح، وانما نتيجة لاختبارات موضوعي لتحديد حالة المحكمة الذهنية ذاتية ما اذا كان متحيزا أو لا من خلال تحليل الحكم وفقا للوقائع والحقائق المعروض أمامه. على الرغم من انتقاد البعض لهذا الحكم، الا أنه يعبر عن مرونة تطبيق النظام وعدم جموده من جانب ايجابي، ولكن الجانب السلبي هنا هو ما إذا كان المحكم فعلا يستطيع ان يكون محايدا في حكمة لو كان له علاقه باحد اطراف النزاع حتى و لو لم يكن ذلك ظاهرا للمحكمة التي تصدر حكمها في اقالة المحكم الغير مفصح عن علاقته بأحد الأطراف. اعتقد ان هذه القضية هي أرض خصبة لتطوير نظام التحكيم والقضاء ايضا من خلال دراسة القواعد والمعايير الاخلاقية التي تهتم بنزاهة المحكمين والقضاة لإصدار أحكام اكثر انصاف.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال