الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أقر مجلس الوزراء الشهر الماضي نظام التخصيص والذي يهدف إلى جذب القطاع الخاص للمشاركة في ملكية الأصول الحكومية أو شراؤها والاستثمار بها مما يزيد إسهامه بالاقتصاد وزيادة كفاءته وتخفيف العبء على ميزانية الدولة. تحول وحراك اقتصادي كبير تشهده مملكتنا، وما زلنا بأول الطريق.
الرياضة هي احدى ركائز رؤية 2030 لتنويع الاقتصاد ورفع مستوى الرفاهية. خصخصة الأندية الرياضية قد تكون محفزا لمستثمرين جدد على الساحة مما يعزز التكامل على مختلف المستويات، سواء بالنضج الإداري أو الحوكمة أو فرض الخطط والتغييرات بحرية ومرونة عالية، بل وحتى ظهور أندية جديدة على الساحة. الزخم الرياضي المحلي كبير وجاذب ولن أستغرب أن يكون هناك استقطاب لرؤوس الأموال من الخارج مستقبلا. دعونا نرى ماهي الفرص التي تقدمها الخصخصة هنا.
أولا: معدل الطاقة الاستيعابية لملاعب كرة القدم بالمملكة العربية السعودية يقدر بأكثر من ثلاثين ألف مقعد (رقم قريب من الدوري الإنجليزي الممتاز) لكن معدل الحضور يعتبر أقل بكثير من الطاقة الاستيعابية (حوالي ستة آلاف في موسم 2018م). هذه الأرقام تعطي دلالة عن مدى الفرصة المواتية للمستثمرين لدعم الخطط التحفيزية للحضور.
ثانيا: حسب إحصائيات فبراير 2021م، فإن المملكة تعتبر من أسرع الدول نموا في عدد مستخدمي التقنية والانترنت. حوالي 96% من اجمالي السكان يستخدم الانترنت، بمتوسط يقارب الثمان ساعات يوميا و88% منهم يمتلك أجهزة ذكية (المصدر: تقرير ترند).
ثالثا: التركيبة السكانية بالمملكة تعتبر مثالية لهذا النوع من الاستثمارات حيث أن قرابة ال 70% من المواطنين أعمارهم أقل من 36 عام.
رابعا: خلال هذه المرحلة الانتقالية فإن الدولة تدعم الخصخصة في هذا القطاع وأعتقد أن يتم تحفيز القطاع الخاص عبر توفير البيئة الجاذبة له.
خامسا: الزخم الجماهيري والرياضي يعتبر من الأعلى على مستوى قارة آسيا. لا يختلف اثنان على أن القاعدة الجماهيرية عريضة وكرة القدم صاحبة الشعبية الأولى بلا منازع. دوري أيطال آسيا لعام 2019م سجل حضورا جماهيريا لمباريات الأندية السعودية فاق ال 600 ألف مشجع.
هذه الفرص وغيرها تقدم الكثير للمستثمر الرياضي وعبر موارد ومداخيل متنوعة مثل حقوق البث، أو عقود الرعايات، أو بيع عقود اللاعبين وبيع منتجات النادي وعوائد يوم المباراة. إذا أخذنا حقوق البث على سبيل المثال فسنجد أنه من أهم مصادر الدخل والذي يرتفع مع زيادة التنافسية والزخم الجماهيري. أما عقود الرعايات فرأينا كيف أن بعض الأندية السعودية أبلت بلاء حسنا خلال السنوات القليلة الماضية لتوقيع عقود مجزية، وهذه العقود مرشحة للارتفاع عند الخصخصة. نادي مثل برشلونة الاسباني يستلم ما يعادل 100 مليون جنية إسترليني سنويا من شركة (نايكي) كأكبر عقد على مستوى العالم.
أيضا فإن بيع عقود اللاعبين يمثل دخلا لا يستهان به حيث أن بعض النوادي منتجة للمواهب. مع الخصخصة وارتفاع حدة المنافسة فإن هذا البند سيمثل مدخول رئيسي لبعض الأندية التي تنتهج من بيع اللاعبين هدفا رئيسيا. يدخل ضمنه كذلك “عائد البيع” وهو ما يتيح للنادي الحصول على نسبة من صفقة بيع اللاعب بالمستقبل من قبل ناديه الجديد.
أما بالنسبة لبيع منتجات النادي والتذاكر وعوائد يوم المباراة فهذه قصة أخرى. حضور المباراة للمشجع يمثل تجربة متكاملة وليست حضور 90 دقيقة فقط. المرافق الترفيهية ونقاط بيع منتجات النادي وملعبه من أهم الأصول المدرة للدخل. نادي يوفنتوس الايطالي قفزت مبيعات التذاكر لديه من 11 مليون يورو في عام 2011م الى 32 مليون يورو بعد بناء الملعب الجديد والذي كلف 155 مليون يورو.
فوائد الخصخصة جمة ولا تتسع المقالة لذكرها، ولكن من أبرزها زيادة التنافسية بين الأندية والتركيز على استقطاب وانتاج المواهب وبناء الأكاديميات الاحترافية، وتحول الأندية للربحية ، وجعل النوادي السعودية محطة مرغوبة للمحترفين ، وتحقيق مركز متقدم في مصاف الدوريات العالمية. ومن الناحية الاقتصادية فتكون هناك زيادة صحية لنسبة مشاركة القطاع الخاص بالناتج المحلي وتخفيف العبء على خزينة الدولة (بل وخلق عوائد لها) واستحداث فرص وظيفية جديدة وتعزيز الحوكمة ووضوح مسؤوليات الإدارة والتزاماتها.
رغم ما تم ذكره من فوائد وفرص للخصخصة، فلماذا لم يتم تطبيقه وخصوصا أن الأمر أصبح متداولا بالوسط الرياضي منذ سنوات؟ التحديات تمثل العائق الرئيسي لتطبيق الخصخصة على أكمل وجه. دعونا نستعرض بعض التحديات الرئيسية باختصار.
أولا: الشفافية والافصاح
من المهم لأي مستثمر أن تكون الصورة واضحة له للاستثمار لتسهيل عملية التقييم وجدوى المشروع مما سيعطي صورة إيجابية وجاذبة لتخصيص باقي الأندية. يجب أن يتم دراسة الوضع الحالي لكل نادي واعداد تقييم مفصل للأصول وحالة كل أصل وتقييم استرشادي له وتوقعات الاهلاك والاستبدال. يجب كذلك انتهاج كامل الشفافية بما يخص المطالبات على الأندية. قامت وزارة الرياضة العام الماضي بإنهاء قرابة ال 90% من قضايا الأندية والذي حتما سيساعد على تطبيق مشروع التخصيص.
ثانيا: عدم وجود سوق شبيه لدراسة الأثر
سيكون من الجيد لو كانت هناك تجارب قريبة وشبيهة من الرياضة السعودية تجعلنا نستفيد من أخطائها ونتطور. إذا تم تطبيق الخصخصة بالمملكة فستكون من أوائل الدول بالمنطقة وأعتقد أن يحذو الكثير من الدول حذوها بالمستقبل.
ثالثا: استدامة الأندية ماليا
ستكون للأندية التي تم شراؤها استقلالية مالية وبالتالي لديها الفرصة لتحقيق الأرباح، ولكن أيضا التعرض للخسائر. هذا يجعل بعض الأندية مهددة بالإفلاس إذا كانت الإدارة تنتهج نهجا خاطئا وغير مسؤول. يأتي هنا دور المشرع عبر فرض تنظيمات رقابية تحد من ذلك.
رابعا: التمويل
لا شك أن الاستثمار بالقطاع الرياضي لا يخلو من الخطورة العالية ويحتاج لنفس طويل وصبر، ولكن المردود قد يكون مجزي كذلك. التمويل يعتبر من أبرز التحديات، وهنا يأتي دور المشرع عبر توفير جميع السبل لجذب المستثمرين والجهات التمويلية على حد سواء.
خامسا: البيئة التشريعية والقانونية
نختم بهذا التحدي الذي أعتبره الأبرز. تناقشت مؤخرا مع أحد الخبراء القانونيين في برامج التحول والخصخصة والذي أفاد بأن ضعف البنية التشريعية والقانونية للاستثمار الرياضي يمثل عقبة كبيرة للخصخصة، لا سيما عندما نرى أبرز النزاعات والقضايا لبعض الأندية مع الشركات الراعية وعقود الرعايات. هذا يخلق نوع من التخوف لدى المستثمر الذي تقلقه طول مدة التقاضي أمام المحاكم لحفظ حقوقه. بالتالي وكما يشير الخبير، فإن هناك ضرورة لإصدار قوانين تنظم حقوق الشركات الاستثمارية سواء في النقل التلفزيوني أو عقود الرعايات أو بالجوانب الخاصة بمنح الأندية حق الاستثمار في مقارها.
أخيرا، فمن الحكمة أن يتم التريث بتطبيق نظام تخصيص الأندية عبر خطط مرحلية وممنهجة. ربما يكون التركيز على بعض الفرق وخلق بيئة تجريبية تشريعية مفيد لتصحيح أبرز الأخطاء لضمان التطبيق الشامل بنجاح. هذا الأمر مطبق بالفعل في بعض الدول الآسيوية. موضوع الخصخصة يحظى بأولوية وأهمية كبرى من وزارة الرياضة وكما أشار مؤخرا وزيرها الأمير عبدالعزيز بن تركي بأن “الخصخصة قريبة جدا و ستكون المعايير محفزة للقطاع الخاص”.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال