الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تعدُّ أزمة التنقل والاختناق المروري في طرق المدن الداخليَّة من أشدِّ أزمات الاقتصاد الحضري حدَّة وتعقيدًا. ويقاسي من تداعياتها قاطنو المدن الكبيرة . تُعزى أسباب الأزمة إلى الإفراط في استخدام المركبات الخاصَّة التي هي أكثر وسائط التنقًّل اليومي استخدامًا في المناطق الحضريَّة. ووفقًا لدراسات عديدة ، يصل معدَّل نسبة استخدامها إلى ما يقارب من الثمانية والثمانين من المئة من حركة تنقُّل الأفراد اليوميَّة داخل المدن، وإلى تسعين من المئة من حركة التنقُّل بين المدن. هذا الاستخدام المرتفع، ينتج ثلاثة تأ ثيرات سلبيَّة، أو ثلاثة أنواع من التأثير الخارجي “Externalities” في مسار حياة الأفراد ومنفعتهم، وفي اقتصاد المدينة، وهي الاختناق المروي والتلوُّث البيئي، وحوادث الطرق.
أبعاد مشكلة استخدام المركبات الخاصَّة لا تقتصرعلى ارتفاع نسب الاستخدام فحسب، بل كما تدلُّ بيانات التنقُّل الاحصائيَّة، إلى أنَّ ثلاثة أرباع العربات الخاصَّة المستخدمة في الطرق الداخليَّة تقاد وتُستخدم بشكل فردي؛ “قائد المركبة منفردا”، وأنَّ غالبيَّة التنقُلات الداخليَّة اليوميَّة، تتمُّ لأغراض لا تمتُّ بصلة للتنقُّل إلى مقارِّ العمل ومنها. هذا النمط من الاستخدام غير الكُفء يرفع الطلب على استخدام الطرق الداخليَّة خلال ساعات النهار، وفي أوقات الذروة خاصَّة، ويفضي إلى الاختناق المروري، ويطيل “مدَّة التنقل ” التي يقضيها الأفراد في الطرق الداخليَّة المختنقة. كما يسبِّب نوعين من الهدرالاقتصادي؛ هدرالوقت، وهدرالوقود. يُقدَّر قيمة الهدر في استخدام الوقود الناجم عن الاختناق المروري في الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة بما يقارب خمسة مليارات دولارٍسنويًّا. كما يُقدَّر إجمالي خسائر الاقتصاد السنويَّة المترتِّبة عن اختناق الطرق؛ ( مجموع هدرالوقت والوقود) بما يقارب ثلاث وستِّين مليار دولارٍ سنويًّا.
ما هو التفسير الاقتصادي لنشوء التأثير الخارجي، أو “الاختناق المروري”؟
للتنقُّل الداخلي، طلبه الخاص، ونوعان من الكلف. كلفة فرديَّة وكلفة اجتماعيَّة تفوق قيمتها مقدار الكلفة الفرديَّة. ينجم الاختناق المروري بسبب قيام قائد المركبة في تحديد طلبه على التنقُّل بناء على قيمة التكلفة الفرديَّة للرحلة، وإهماله الكلفة الاجتماعيَّة. فباستخدام الطرق الداخليَّة المزدحمة، وعدم مراعاة الكلفة الاجتماعيَّة، يفرض قائدو المركبات على الأفراد والمجتمع كلفًا دون أن يتحمَّلوا أو يدفعوا قيمة تلك الكلف أوجزءًا منها.
كيف يمكن حل أزمة الاختناق المروري، وإزالة تبعات التأثير الخارجي؟
هناك عدَّة خيارات، أو آليَّات ضريبيَّة وغيرضريبيَّة بوسع الحكومة المحلِّية؛ “إدارة البلديَّة” توظيفها لتخفيض الطلب على الطرق الداخليَّة، ومعالجة الاختناق المروري.
الخيار الأَوَّل، ضريبة الزحام” Congestion Tax “، فرض رسم ضريبي على استخدام المركبات الخاصَّة للطرق الداخليَّة المزدحمة، بقيمة تساوي الكلفة الاجتماعيَّة للرحلة، من شأنه تقليل طلب الأفراد، وتخفيف حدَّة الزحام المروري. ثمَّة ملاحظتان على هذه الضريبة وتطبيقها العملي . تتعلَّق الأُولى بصعوبة تحديد قيمتها، أو تعريف القيمة المُثلى؟ أمَّا الثانية، فتنصب على كفاءة الضريبة وفعاليَّتها. تشترط الكفاءة تباين مقدار الضريبة المفروضة تبعًا لأوقات الاستخدام. فترتفع في أوقات الذروة، وتنخفض في سواها. فرض ضريبة الزحام من شأنه خفض الطلب على استخدام الطرق المزدحمة، وتخفيف حجم الاختناق المروري بسبب تغيير قادة العربات مسار تنقُّلاتهم، وتفادي الطرق المختنقة المفروض عليها الضريبة، أو تغيير أوقات التنقُّل، وتجنُّب أوقات الذروة. كما قد تقود إلى تقليل مسافات التنقُّل واستخدام وسائط نقل بديلة كالنقل العام.
الخيار الثاني المتاح لمعالجة الاختناق المروري، يكمن في فرض “ضريبة الوقود”. يقود فرض الضريبة إلى رفع كلفة التنقُّل وخفض الطلب على استخدام الطرق الداخليَّة والسيطرة على الزحام، ومعالجة الاختناق المروري. إشكاليَّة هذه الضريبة، تكمن في رفعها كلفة التنقُّل بشكل عام، وفي جميع الطرق والأوقات . لذلك، لا تؤثِّر بشكل فعَّال في استخدام الطرق المزدحمة في أوقات الذروة .
الخيارالثالث، يكمن في رفع رسوم مواقف العربات في مركز المدينة وفي المناطق التجاريَّة المزدحمة. رفع رسوم المواقف من شأنه زيادة كلفة التنقُّل، وتثبيط رغبة الافراد في استخدام المركبات الخاصة للوصول الى مركز المدينة.
تبنِّي أحد الخيارات المطروحة أو مزيج منها، والنجاح في تطبيقها، يفرز منافع للأفراد، ويرفع مستوى الرفاهية الاجتماعيَّة، ويحسِّن جودة الحياة في المدينة. أهمُّها؛ تقصيرمدَّة التنقُّل، وانسياب الحركة المروريَّة، وتقليل تلوُّث البيئة وانخفاض حوادث المرور. (يتبع)
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال