الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لا شك في أن برنامج شريك الذي أطلقه سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مؤخرا، يأتي بمزيد من التأكيد على محورية القطاع الخاص في رؤية المملكة 2030 هذا القطاع الذي تنعقد عليه آمال وطموحات كثيرة، والذي وبلا أدنى شك يواجه تحديات مالية وهيكلية وتشغيلية عديدة في سبيل التنمية الشاملة. ولكن قد يغيب عن البال ما هو أساسا لب القطاع الخاص ومكونه الأصيل وهم الأفراد بشتى اهتماماتهم وقدراتهم التنموية والاستثمارية فمالقطاع الخاص سوى تجميع لملكية الأفراد الخاصة لوحدات الانتاج التجارية والاقتصادية.
فالأفراد الطموحين يبنون ويشيدون الشركات والمؤسسات الناجحة التي تخلق قطاعا خاصا حيويا ونشيطا يقدر على الاستجابة الفعالة لاستحقاقات التنمية والاستدامة والصمود في وجه التحديات الاقتصادية والعالمية. والأفراد وحدة مليونية على خلاف بضعة آلاف من الشركات والمؤسسات وهم بذلك على قدرة من أن يشكلوا ظاهرة اجتماعية-اقتصادية من شأنها دعم عجلة التنمية التي يقودها ويمكنها القطاع العام. فحدوث ظاهرة اجتماعية تؤمن وتدفع نحو التنمية الشاملة لهو أسمى ما يطلبه أي برنامج تنموي حكومي.
خذ مثالا على ذلك معدلات الإدخار القياسية في الاقتصاد الصيني والتي وصلت في الفترة بين 2001 و2009 ما يقارب 60% من إجمالي الناتج المحلي وكان جزء كبير من هذه المدخرات الضخمة يعود لأفراد الشعب الصيني (ما ويي، 2011). إن ظواهر اجتماعية-اقتصادية مثل هذه أيضا تعكس ثقة وتكاتفا بين أقطاب الاقتصاد الوطني من قطاع عام وخاص ما من شأنه تدعيم البنية التحتية لتنمية والتحول.
والأفراد في الاقتصاد السعودي أيضا على قدر كبير من الطموح والثقة ولكننا مازلنا (في رأيي المتواضع) بعيدين عن مرحلة الظاهرة والتحول الاجتماعي والسلوكي الشامل خصوصا فيما يخص استثمارات الأفراد. فما يزال طموح المكتب والبيت والسيارة حاضرا وجاثما على كبد الطموح الوطني السعودي. والمفارقة هنا حقا عجيبة وتستدعي التوقف والتفكير قليلا فقد تمرست العقلية السعودية في الغالب على تجنب ونبذ المخاطر الاستثمارية والتكالب على الاستثمارات قليلة أو عديمة العائد والمخاطر.
وكمثال على هذا خذ ما نشرته صحيفة مال في شهر ديسمبر الماضي عن ارتفاع يقدر ب 42% في القروض العقارية التي منحتها البنوك التجارية للأفراد والشركات والتي يشكل الأفراد منها ما يقارب 71% بمقدار 279.23 مليار ريال أي أن هناك نموا في استثمارات الأفراد في القطاع العقاري والتي في الغالب تستهدف تملك المسكن ومع أن هذا استمثار جيد بلا شك ولكنه يعكس عقلية تستهدف المضمون وتتهرب من المخاطر. كما أن هذا السلوك، أي تزايد استثمارات الأفراد في القطاع العقاري يحرم الأفراد ولفترات طويلة تصل لعقود من القدرة على الاستثمار التجاري والاقتصادي ويكرس ويركز الفوائض الاقتصادية للأفراد في القطاع المالي والعقاري التجاري ويحرم القطاعات الأخرى من هذه الاستثمارات. كما أن تدوير هذه الفوائض الاقتصادية الضخمة حصرا في قطاع المال والعقار يُبطء عجلة التنمية ويسرّع من معدلات التضخم وزيادة الأسعار.
إن الاستثمار في القطاع العقاري لايزال مهما وحيويا لنمو الاقتصادي ولكنني أتأمل أيضا في أن تتسارع معدلات استثمارات الأفراد في القطاعات الأخرى أيضا وأن يزيد معدل إصدار السجلات التجارية وتزيد أعداد الشركات التضامنية والفردية.
فالمخاطر في عالم الاستثمار قد تعني ضياع الاستثمار ولكنها تعني أيضا عوائد مرتفعة واستدامة استثمارية. فمعدل عوائد الاستثمارات التجارية الناجحة قد تتجاوز ثلاثة أو أربعة أضعاف حجم الاستثمار. ومن هنا يمكن القول بأن الأمان في تملك البيت والسيارة قد يبدو مضمونا وجذابا ولكنه لا يصل بنا نحو طموحات الرؤية للأفراد والقطاع الخاص.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال