الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لم أكن قد انتهيت من كتابة مقالي – والذي خصصته حول الشواهد التي توضح لنا كيف يمكن أن ينجح نظام التخصيص في المملكة – حينما طالعت تدشين سمو ولي العهد لبرنامج “شريك” والذي يهدف إلى تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص. والحقيقة أهمية هذه الخطوة، لا تكمُن فقط فيما سيُحققه هذا البرنامج من زيادة كفاءة الخدمات المُقدمة لأبناء الوطن؛ ولكن الأهمية الأكبر تكمُن في مستقبل مثل هذه المشاريع والشراكات وما ستُحققه للبلاد على الصعيد الاقتصادي، فبخلاف توفير مئات الآلاف من الوظائف الجديدة، فالمتوقع أن تزداد مساهمة القطاع الخاص إلى 65% من الناتج المحلي بحلول عام 2030، وذلك من خلال دعم وتمكين القطاع الخاص بشكل أكبر خلال السنوات القادمة. فهل هذا البرنامج هو جزء من التخصيص أم أنه نوع آخر من العلاقة مع القطاع الخاص؟ من وجهة نظري أن برنامج شريك هو وجه آخر لاستراتيجية واحدة تهدف إلى تمكين القطاع الخاص ومساهمته بشكل أكبر في الاقتصاد السعودي، والوجه الآخر هو التخصيص، ويتم التركيز من خلال هذه الاستراتيجية على زيادة كفاءة المشاريع والخدمات المقدمة، فهي نوع من أنواع التكامل بين الحكومة والقطاع الخاص.
وبالعودة إلى الشواهد التي تطمئننا على نجاح نظام التخصيص في المملكة وغيره من برامج الشراكات مع القطاع الخاص، أن تاريخ المملكة مليء بالعديد من صور التخصيص الناجحة، والتي تُحفّز الأمل بداخلنا تجاه تطلعات المستقبل؛ سأشارككم خلال هذا المقال بعض هذه الصور.
من أوائل صور التخصيص أو الخصخصة في المملكة، كانت عام 1996م عندما أصدر مجلس الوزراء السعودي قراراً فيما يخص تطبيق نظام الخصخصة المعني ببيع الحصص للجمهور؛ وقد أوضح هذا القرار أهداف التخصيص بشكل أكبر، حيث أنه كان يهدف بشكل أساسي إلى رفع كفاءة الاقتصاد السعودي، وزيادة قدرته على التنافس بغرض مواجهة التحديات والمنافسات الإقليمية والعالمية. هذا إلى جانب تعزيز كفاءة الاقتصاد الوطني عن طريق إخضاع المشاريع الخاصة لقوى السوق. وقد طبقت المملكة صورة أخرى من الخصخصة بإشراك القطاع الخاص عن طريق عقد BOT (Build, Operate & Transfer)الذي يعطي للشركات الخاصة حق البناء وإدارة المشاريع لمدة معينة، على أن يكون العائد من الرسم السنوي المدفوع من الشركة للحكومة، إلى جانب انتقال ملكية المشروع للحكومة عند انتهاء العقد في أي وقت مع الشركة التي تدير المشروع، وبشكل عام فقد أثبتت الأيام أن إشراك القطاع الخاص في مثل هذه المشاريع، يؤدي إلى كفاءة أعلى وتوفير في الوقت والتكلفة.
إضافة إلى كل ذلك، فالمملكة تُشجع دائماً القطاع الخاص على الاستثمار والمشاركة في الاقتصاد الوطني، كما تستخدم أسلوب الاكتتاب الذي يسمح للمواطنين بالمشاركة في الأصول المنتجة في المشاريع العامة والمنشآت؛ وهذا الأسلوب الأخير يُعتبر من أهم أساليب الخصخصة التي تُستخدم في تطوير سوق رأس المال المحلي.
جميع ما ذكرناه من صور وأشكال التخصيص الناجحة التي طبقتها حكومتنا ينُم عن عقلية المملكة الفذة في تطبيق مثل هذه الاستراتيجية، والتي تحتاج لنجاحها دراسة وتحليل للوضع الاقتصادي بشكل جيد، ووضع خطط مُحكمة لإدارة هذا النظام، الأمر الذي من الواضح جداً أنه ينطبق على خطط المملكة في برنامج التحول الوطني الذي يُشرف عليه سمو ولي العهد حفظه الله، والذي يُراعي فيه اتباع استراتيجية مُستقلة للمملكة تسعى الحكومة وأبناء الوطن على تطبيقها بأفضل شكل ممكن.
يبقى تساؤل أخير عن إذا ما كانت المملكة بحاجة لتطبيق نظام التخصيص؛ ولكن هذا التساؤل له إجابة واحدة بديهية، سيُدركها كل من تعمق في دراسة هذا النظام، وأصبح على دراية كبيرة بما يُحققه من فوائد عديدة ذكرتها لكم من قبل، فلا توجد دولة من دول العالم لا يخلو القطاع العام بها من بعض القصور التي تُقلل من كفاءة الخدمات المُقدمة للمواطنين، وتُبطئ من عملية تقديم الخدمات بشكل يتناسب مع النمط الحالي للحياة. لذا تأتي أنظمة مثل التخصيص وغيرها، لتفادي مثل هذا القصور في العديد من القطاعات، وحتى لا يُعيق خطة المملكة في تطبيقها لرؤية 2030؛ والتي من أهم أولوياتها تقديم أفضل الخدمات للمواطنين، وتوفير الخدمات بصورة تتناسب مع التطور الاقتصادي والتكنولوجي الذي ينتشر في البلاد بسرعة البرق خلال السنوات القليلة الماضية، ويؤثر على جميع نواحي الحياة. وكما ذكرنا مُسبقاً، فتطبيق الدولة لنظام التخصيص يُقلل العديد من الأعباء على الدولة في العديد من القطاعات التي يُساعد نظام تحويلها للقطاع الخاص في تقديم أفضل خدمة، مع تقليل ضغط هذه الخدمات على الدولة وميزانيتها.
أخيراً؛ أود الإشادة بسعي حكومتنا في تطبيق كل ما يُحقق الرخاء والتقدم لمملكتنا، واتباعها لقرارات العقليات الوطنية الشابة التي تتميز بنظرة مستقبلية حادة تُساعدها على اتخاذ أفضل القرارات المدروسة والتي تصُب في مصلحة المملكة وأبناء الوطن.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال