الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
قبل أزمة الكوفيد، كان العالم على أعتاب أزمة اقتصادية عالمية ذات أسباب مختلفة، وازدادت هذه الازمة مع الكوفيد، مما يجعل العالم بحاجة الى وقت طويل للتعافي اقتصاديا. فمثلا في الازمة الاقتصادية العالمية في عام ٢٠٠٨، قامت الحكومة الامريكية بتقديم دعم مادي غير مسبوق لإنقاذ الشركات المتعثرة ومن ثم انقاذ كافة الصناعات، لكن هذا الدعم تم استخدامه من قبل بعض موظفي هذه الشركات لتحقيق مصالح شخصية مثل دفع قيمة رحلات المديرين التنفيذيين، ودفع مكافآت ضخمة لهم، في حين ان هناك الكثير ممن خسر مصدر دخله أو في حالة من الرعب لفقدان عمله، مما أثار قلق الشارع الامريكي، وانتج ازمة ثقة في مدى أمانة المسؤولين و القائمين على مثل هذه الشركات المدعومة من الحكومة. فإذا لم يثق الموظفون في المديرين التنفيذيين الذين يديرون مؤسساتهم وشركاتهم للتصرف بطريقة مسؤولة في مدخرات الشركة، فيصعب إذن السيطرة على هؤلاء الموظفون للصمود أمام الإغراءات التي قد تعرض عليهم. كذلك فإن درجة مراقبة الموظفين من قبل أصحاب العمل تعتمد على درجة الثقة فيهم، وهذا يترتب على قياس معدل الفساد المالي من خلال قياس مستوى الاختلاسات والسرقات التي قد تحدث لميزانية المؤسسة. وهذا جزء مهم في منظومة مكافحة الفساد، الا وهي الاهتمام ببناء الثقة التنظيمية.
جزء من منظومة مكافحة الفساد، هو بناء النزاهة، وغالبا ما ينظر الموظفون إلى أصحاب العمل بأنهم أهل للثقة ما داموا اكفاء بإدارة جميع الجوانب ذات الارتباط بأعمال المؤسسة، والتي تشمل حماية مدخرات المؤسسة، وإظهار الاهتمام والعناية اللازمة بحاجات الموظفين و وضع القيم التي يريد صاحب المؤسسة ان يعتنقها موظفيه ألا وهي النزاهة. وعند تهز هذه الثقة بالرؤساء، ترتب عليه أن الموظفين اصبحوا اكثر رغبة بارتكاب احدى جرائم الفساد وهذا ما يسمى بالانتقام من خلال اللجوء إلى السلوك الانحرافي. مثلا، عدم إيمان الموظفين بقدرة رؤسائهم على تحقيق النمو للمؤسسة، فهذا يدعوهم للاختلاس مثلا لتحقيق مكاسب تساعدهم على الوقوف على أقدامهم في حال الاستغناء عنهم. كذلك، اساءة استخدام السلطة للرؤساء تثير سلوك الانتقام من خلال التعدي على مصلحة المؤسسة لتحقيق مصلحة شخصية.
عند انهيار شركة انرون في عام ٢٠٠١، كُتب مقال بعنوان “هل نثق بأي شخص الأن؟” في مجلة الاعمال الاسبوعية الامريكية، وجاء تعليق بخصوص ذلك بأنه ” هناك قضايا ضخمة جدا و مؤثرة في مجال الأعمال مما جعلها تشكل صدمة لمعتقداتنا الراسخة بشأن الامانة و النزاهة لثقافة شركاتنا .. تتجاوز آثار هذه الكارثة المالية انهيار شركة كبيرة واحدة حيث إن هذا هو الفساد على نطاق واسع.” مثل هذا التعليق يعني، أن ارتكاب الفساد ذاته مشكلة ولكنه ليس هو المشكلة الأساسية، وإنما المشكلة الاساسية هو هدم المعتقدات الراسخة فيما يخص قيم النزاهة التي يجب ان تكون هي حجر الأساس لأي جهاز مؤسسي ولأي مجتمع. بناء الثقة التنظيمية مهم جدا لمكافحة الفساد، اذ ان مكافحة الفساد هو عمل يستهدف جميع المؤسسات العامة و الخاصة، والمجتمع. وذلك يكون من خلال رسم استراتيجية تعتمد على ركنين اساسيين، اولهما يتعلق بالرقابة وادارة المخاطر، والثاني من خلال بناء منظومة قيم النزاهة. وهذا ليس بالامر الهين، ولكن يمكن تطبيقة.
اهمية بناء الثقة تعود بالنفع من ثلاث نواحي. الناحية الأولى، هو عند وجود ثقة في المنظمة او المؤسسة، فهذا يعني ان رؤساء المؤسسة يعملون على تحقيق مصلحة المؤسسة وهذا يعني أن أعمال إدارات الرقابة والمخاطر ستكون على مستوى عالٍ من النزاهة و المصداقية، كما ان ذلك يعني ان مفهوم الشفافية يتم تطبيقه بشكل فعال. الناحية الثانية، عند انتشار الثقة التنظيمية في المؤسسات العامة والخاصة، سينعكس ذلك على ثقة المجتمع بهذه المؤسسات والذي يعني الثقة السياسية حيث انه عند حدوث أي انتهاكات أو محاولات لهدم قيم النزاهة، فسياسة الدولة تقف لهذا الأمر بالمرصاد من خلال المحاسبة. الناحية الثالث، الثقة التنظيمية تعني استغلال كامل وممتاز لموارد المؤسسة المادية والبشرية لتحقيق مصلحة المؤسسة لو كانت خاصة ولتحقيق المصلحة العامة لو كانت عامة. وهذا يعني، ان حتى في حال حصول أزمات اقتصادية، انهيار المؤسسات سيكون أمر بعيد حصوله حتى لو حصل لها تعثر اقتصادي، وهذا سينعكس بشكل ايجابي على المستوى الاقتصادي للدولة. لذلك، مكافحة الفساد هي ليست مكافحة جريمة فقط، وإنما هي امر يتعلق ببناء منظومة ثقة بالمؤسسات وبما يمكن ان تقدم للعاملين بها وللمجتمع.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال