الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تخفيض نسب البطالة ورفع نسب التوطين .. أكاد أجزم أنه أحد أهم الملفات على طاولة المسؤول، وهو الهم الكبير لأصحاب القرار في كل الجهات ذات العلاقة. مرت وزارة الموارد البشرية (وزارة العمل سابقا) بتجارب كثيرة في سبيل علاج هذا الملف الشائك، ويبدو أن أغلب الحلول كانت مؤقتة زال تأثيرها بمجرد التقدم في الممارسات وإيجاد البدائل للمتهم الأول (القطاع الخاص).
القطاع الخاص قطاع ربحي يقوم في المقام الأول على مبادئ الاستثمار ولا شيء غير الاستثمار، فعندما يتم الضغط على القطاع الخاص لمعالجة هذا الملف يجب أن تحمى مصالحه أولا، لأنه إن لم تحمى مصالحه سيكون هناك خيارين أمامه، إما أن يكون في موقف جيد ويبدأ بالممانعة وعدم التجاوب وإيجاد الحلول لتجاوز الانظمة، وإما أن يكون في موقف ضعيف ولا يستطيع الاكمال وبالتالي الخروج من السوق بسبب الضرر. إذا القطاع الخاص لن يستطيع حل هذا الملف أبدا بنفس الكيفية المعتادة مع كل القرارات السابقة.
في جميع القرارات السابقة قبل قدوم الوزير الراجحي، كانت الوظائف المستهدفة لتوطين وظائف أقل من المتوسط أو وظائف دنيا، ووظائف أصلا يصعب على الموظف السعودي العمل فيها. تخيل شاب حاصل على شهادة بكالوريوس أو أعلى منها ولا يجد وظيفة، وتكون جميع خطط التوطين تستهدف وظائف لا تساعده ولا تشجعه على أخذ القرار بالعمل بها. بكل تأكيد أصبح هذا الشاب أو الشابة أمام أمرين إما القبول بهذه الوظيفة على مضض بسبب ظروفه المعيشية أو رفضها ويظل منتظرا للفرج وبالتالي رصيد تراكمي على نسب البطالة.
الوزارة مؤخرا كان لديها خطط توطين أفضل من السابق وتستهدف الوظائف المهنية كمهن التسويق والمالية والمهندسين والفنيين في المجال الصحي، وهذا شيء جدا ممتاز ومشجع للشباب بإيجاد الفرص المناسبة لمؤهلاتهم العلمية، وحقيقة شجع هذا القرار أيضا القطاع الخاص على الاستثمار في الشباب السعودي وتوظيفهم ولله الحمد، ولكن يبدو أن هناك ما يلوح في الأفق سيجعل القطاع الخاص يعود للمربع الأول في الإحجام عن ذلك، وهو وجود منافس أكبر منه في الحصول على هذه المواهب السعودية وهو القطاع الحكومي المقتدر ماليا.
ما أن تبدأ مرحلة التوظيف ويبدأ الموظف السعودي رحلته المهنية في القطاع الخاص، ويبدأ يكتسب الخبرة وما أن تظهر إمكانياته حتى تأتيه العروض الجيدة ويخرج من القطاع الخاص.
من المتضرر الان؟ بكل تأكيد القطاع الخاص، مهم جدا في مراحل حياة أي شركة أو أي منشأة وجود الاستقرار الوظيفي، لسببين الأول، الصرف على برامج التدريب سواء ماليا أو من وقت الموظفين الاخرين الذين يسعون لتدريب زملائهم الجدد، كذلك السبب الثاني، أسباب مالية على الشركة بشكل مباشر بصرف الرواتب وعند البدء من الاستفادة من هذا الموظف الجديد يخرج بسبب منافسين أقوى، هنا أنت خلقت أزمة جديدة على هذه الشركات وجعلتها تعيد التفكير كثيرا في الاختيار.
لا يجب أن يكون القطاع الحكومي منافسا أبدا للقطاع الخاص، يجب أن تحمى مصالح القطاع الخاص أن أراد المسؤول فعلا أن يشارك القطاع الخاص في حل هذا الملف الكبير، هناك جهود حثيثة من برنامج طاقات لدعم التوظيف، ولكن أنا متيقن أنها لا ترقى للحفاظ على هذا الموظف من الخروج. لا يلام الموظف أبدا في البحث عن مصلحته ورزقه، ولكن في نفس الوقت المستثمر أيضا من حقه حماية مصالحه.
الحلول بإذن الله كثيرة لمثل هذه المواقف، ولكن يجب أن تكون لصالح الطرفين الموظف والمستثمر، القطاع الخاص في النهاية قطاع ربحي ويبحث عن مصالحه وإن حفظت مصالحه متأكد بأنه سيكون اللاعب رقم واحد في حل ملف البطالة، يجب أن يكون هناك حزم تحفيزية حقيقة موجهة للشركات التي تساعد في التوظيف وتساعد في حل هذا الملف. الإلزام والإجبار ليس الحل الصحيح، مثلا شاهدنا قبل فترة قرار توطين العاملين في قطاع التوصيل، ولكن لم ينجح بسبب أن الشباب لا يرغبون في العمل في هذا المجال، من المتضرر الآن بكل تأكيد الشركات العاملة في قطاع التوصيل.
أنا أعطي مثال لنستوعب حجم الضرر، هناك بعض الوظائف التي لا يحبذها بعض الموظفين ولن يقف المستثمر ينتظر، فأنت تدفع به لإيجاد حلول لنفسه حتى ولو كانت ضد قراراتك.
الملف هذا ملف كبير وأعان الله كل من عمل به، أنا متيقن جدا بكفاءة الشباب السعودي للعمل في كل المهن المتاحة، ولكن يجب علينا محاربة التستر التجاري بكل قوة (وأنا لم أتحدث عنه في هذا المقال) لأنه لا يسعى لخلق هذه الوظائف، وكذلك يجب أن يساعد صاحب القرار في الحفاظ على مصالح القطاع الخاص وحمايته عند توظيفه للسعوديين، ويجب أن لا تكون القرارات مجرد قرارات إلزامية ولكن أرى أن يعطى للقطاع الخاص ميزة بأنه أي شركة تقوم بهذه المبادرات بأن تتاح وتقدم لها مزايا تكون قيمة مضافة لها.
دمتم بود ،،
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال