الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
بعد أن أصبح تخصيص الخدمات الحكومية هدفاً بارزاً في المرحلة القادمة، فقد ارتقتْ أهمية العقود الإدارية التي تُنظِّمُ العلاقة بين الدولة والقطاع الخاص، حيث بات هذا القطاع قادراً على تقديم بعضاً من الخدمات العامة على مبدأ الاستثمار في المشاريع الحكومية.
وهكذا، فقد تتحوَّل بعض المشاريع التي تَملِكُهَا الدولة إلى القطاع الخاص على مبدأ الاستثمار وليس البيع؛ فيبقى المشروع وأصوله مَمْلُوكاً للدولة، لكن تُصبِحُ إدارته واستثماره خاضعاً للقطاع الخاص.
وهنا قد تنشأ بعض المنازعات بين الدولة والمستثمر لدى إِعْمَالِ عقد الاستثمار هذا، فيحقُّ للدولة اللجوء إلى القضاء الإداري حتى تحصل حقِّها، ثم تقوم بالتنفيذ على أموال المستثمر.
بالتالي، فقد تظهر قواعد تنفيذ الأحكام القضائية بشكلٍ غير مرنٍ إطلاقاً بالنظر إلى ظروف مالية الدولة التي تتحمَّل أعباءً ماليةً كبيرةً، فلا يمكن لها الانتظار أو الدخول في أيِّ تأخيرٍ أو روتينٍ كما قد يحدث خلال تنفيذ الأحكام بين الأفراد.
لذلك، فقد صدر مؤخَّراً قرارٌ من مجلس القضاء الإداري رقم 37 تاريخ 29-6-1442ه، المُتَضَمِّن إجراءات طلبات التنفيذ المُقدَّمة من الجهات الإدارية، حيث باتت هذه الطلبات تحظى بقواعدٍ إجرائيةٍ استثنائيةٍ أكثر مرونةً وسرعةً.
من هذا المنطلق، فقد أصبحت الجهة الإدارية قادرةً على تقديم طلب التنفيذ إلى المحكمة الإدارية التي يقع في دائرتها موطن المُنفَّذ ضدَّه أو مركزه الرئيسي، وإذا انتفت هذه الأماكن يكون الطلب من اختصاص محكمة مكان السند المطلوب تنفيذه (م/3)، ويتمُّ تبليغ المُنفَّذ ضدَّه، ويُحدَّد موعد جلسة خلال مدة لا تتجاوز 10 أيام من تاريخ قيد الطلب (م/4).
والأمر الهامٌّ هنا، أنَّ للمحكمة أن تبتَّ بطلب التنفيذ من أول جلسة حتى وإن لم يحضرْ المُنفَّذ ضدَّه بعد التحقُّق من جدارة الطلب شكلاً وموضوعاً (م/5).
وفي هذه الحالة، لن يكون للمُنفَّذ ضدَّه سوى طلب استئناف القرار لدى محكمة الاستئناف الإدارية خلال 10 أيام من تاريخ تسلُّم نسخة القرار، إلاَّ أنَّ النقطة الحاسمة هي أنَّ استئناف القرار لا يُوقِفُ تنفيذ الحكم بالضرورة، لكن يرجع الموضوع لتقدير محكمة الاستئناف (م/10).
فمثلاً، قد يجد المستثمر بيته معروضاً للبيع في المزاد العلني خلال 10 أيام من امتناعه عن سداد مستحقَّات الجهة الإدارية التي تعاقد معها، دون أن يؤدِّي استئنافه بالضرورة إلى وقف التنفيذ.
إلاَّ أنَّ القرار رقم 37 المذكور، قد منح أملاً وحيداً للمستثمر المُنفَّذ ضدَّه، ألا وهو دعوى مُستَقِلَّةً تُحالُ إلى الدائرة التي أصدرت حكم التنفيذ، وإذا اقتنعت هذه الدائرة بأحقيَّة الطلب، فلها وقف تنفيذ الحكم فيما إذا كان التنفيذ سيؤدِّي إلى أضرارٍ يَصعُبُ تداركها على المُنفَّذ ضدَّه (م/13).
وفي الواقع، تبدو هذه الأحكام مرنةً ومُيسَّرةً للجهة الإدارية في تحصيل حقها، إلاَّ أنَّها أحكامٌ قاسيةٌ وسريعةٌ على المتعاقدين مع الدولة، ذلك إلى الدرجة التي قد تُخَفِّضُ من جاذبية التعاقد خوفاً من سوء تقدير محكمة الدرجة الأولى.
ففي هذه الحالة، قد يتكبَّد المستثمر خسائراً كبيرةً، وقد لا تسعفه مطالباته بوقف التنفيذ لدى الاستئناف أو من خلال الدعوى المُستقلَّة المشار إليها.
مثل هذه الوضعيات من الاستعجال الكبير في الإجراءات، قد تُشكِّل مناخاً طارداً للاستثمار، الأمر الذي يُشيرُ إلى ضرورة وقف التنفيذ حتى يَصدُرُ حكم الاستئناف النهائي في المنازعة، خاصةً أن البتَّ بالاستئناف لن يطول سوى 10 أيام وفق القرار (م/12).
بهذه الطريقة يكون المستثمر مُطمئنَّاً إلى أنَّ القرار ستتمُّ مراجعته على درجتَيْن من درجات القضاء الإداري، ويُصبِحُ وقوعُ دائرتَيْن قضائيَّتَيْن في ذات الخطأ أمراً مستبعداً، الأمر الذي يسمح بإحقاق الحقِّ بشكلٍ مرنٍ ومنضبطٍ في آن معاً.
ومن جهةٍ أخرى، فإنَّ انتظار الجهة الإدارية لمدة 10 أيام حتى يصدر قرار الاستئناف في عقد الاستثمار الإداري مثلاً، سيُغني هذه الجهة من مشاكل التوقُّف الفجائي عن التنفيذ أو الوقوف أمام المستثمر في دعوى وقف التنفيذ المُستقلَّة.
بناءً عليه، فإنَّ حصر تنفيذ المطالبات الإدارية إلى ما بعد صدور حكم الاستئناف، قد يكون أكثر سرعةً من الاستعجال بتنفيذ حكمة الدائرة الأولى، ثم الدخول في منازعات وقف التنفيذ.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال