الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
كان زيد شاباً يافعاً تخرج بشهادة الهندسة الميكانيكية مع خبرات خارج تخصصه، حيث أمضى زهرة شبابه بين مقاعد الجامعة وصولاً إلى الجلوس في المنزل لحضور المحاضرات بنظام التعليم عن بعد وانتهاءً بعمله في تطبيقات التوصيل بشكل مؤقت امتد مع الاسف أشهراً طويلة رغم الطلب العالي على تخصصه لا سيما في المصانع.
نظر زيد إلى بوابة تلك الشركة العملاقة وهو يشاهد الموظفين وقت دخولهم إلى مقر الشركة وكأنها خلية نحل، ودقق النظر فلم يجد بينهم إلا قلة من السعوديين، بينما يتكدس المكان بالعمالة والموظفين الأجانب. اكمل زيد المشي إلى الداخل بهدوء حتى وصل إلى الاستقبال فوجد أخيراً وجه موظف سعودي، وهو عبيد حارس الأمن المطحون، المحبط كلياً والمصاب باكتئاب شديد بسبب عدم حرص الشركة على تحسين بيئة عمله، لعدم أهميته على حد فهمهم.
وجد زيد نفسه يمشي بين مكاتب لا سعوديين فيها، وسمع خلال سيره على الأقل أربعة لغات ولهجات مختلفة أصبحت تتردد في رأسه كأنها دقات طبول!!، حتى وصل إلى مكتب فاخر مطل على ساحل البحر، بواجهات زجاجية، و وجد خلف المكتب شاباً سعودياً يافعاً وهو (فارس) الذي يمثل رأس الهرم في إدارة الموارد البشرية لهذه الشركة العملاقة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
طبعاً كانت المقابلة فاشلة تماماً، فلن يقتنع فارس بآداء زيد (عامل التوصيل) ذو شهادة الهندسة الميكانيكية، ولن يخاطر بتعيينه في هذه الشركة العملاقة ليؤثر على ثقافة المنظمة سلباً. وفهم زيد الرسالة من نظرات فارس واسلوبه، وتمتمته بكلمات مثل (نحن شركة عالمية عندنا diversity ) و (سيتواصل معك الفريق ان كانت هناك فرص متاحة) و (هناك شواغر في قسم الأمن بمصنعنا الجديد)، فبادر زيد بطلب لطرح الحديث الدائر في داخله قائلاً: عندي ملاحظة استاذ فارس ان امكن. رد فارس بابتسامة مجاملة صفراء: اكيد بكل سرور اخوي زيد اتفضل.
ارتبك زيد لوهلة، ثم استطرد قائلاً: هل انت راضي عن نفسك وعن شركتك بوجود كل هؤلاء الاجانب، هل يصلح أن تقول (صنع في السعودية) وانت ترفض تعيين السعودي في التخصص و الصناعة ذاتها وتتركه في وظائف على هامش الشركة؟ هل هناك اجنبي يولد عارفاً عالماً أم أن اللوبي الأجنبي لكل جنسية يوظف أقاربه أجيالاً بعد اجيال بدون خبرة أو تأهيل وانت يا فارس مجرد منفذ اعمى لأجنداتهم؟!.
وأثناء حديث زيد الساخن، ضغط فارس على زر أحمر أسفل طاولة مكتبه، ليدخل حارس الأمن عبيد، بوجهه المحبط ليسحب زيد من كتفه في مشهد درامي إلى خارج الشركة، وكان اخر مشهد يراه زيد قبل أن يفقد الوعي، كلمات واضحة في لوحة كبيرة عند أعتاب بوابة الشركة، كلمات لها معنى عميق للبشر قبل المكان، انها (صنع في السعودية).
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال