الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
قطاع المقاولات لدينا هو الأكبر ليس بالمملكة فحسب ولكنا بالمنطقة إجمالا ويقدر حجم الإستثمار فيه وبحسب آخر إحصائية بما يفوق 400 مليار ريال. ويأتي اهتمام المملكة بهذا القطاع لأسباب ثلاثة رئيسية كونه ذراع تنموي تقوم به نهضتنا والأكثر جذبا للشركات الوطنية ولأنه يساهم بالجزء الأكبر في سوق العمل ودعم سلاسل الإمداد والصناعات المحلية لمواد البناء وغيرها. في السنوات القليلة الماضية تعرض القطاع لهزات كبيرة ظهرت آثارها و أوعزها كبار المقاولين لتراجع الإنفاق الحكومي على القطاع، والذي بدوره – أي الإنفاق الحكومي- يعتبر المحرك الرئيس لسوق المقاولات الذي ارتبط بعلاقة نمطية طويلة مع القطاعات الحكومية وما تطرحه من مشاريع تنموية غالبا في البنية التحتية والأشغال العامة.
القول بتراجع الإنفاق الحكومي على قطاع المقاولات له وجاهته بالنظر في نمطية العلاقة والإنفاق التقليدي الذي اعتادته شركات المقاولات عبر العقود المنصرمة. إلا إن هذه النظرة قصرت عن استيعاب التطورات الكبيرة والغربلة التي شهدها الإنفاق الحكومي مؤخرا وتحديدا بعد إعلان رفع كفاءة الإنفاق الحكومي كهدف رئيس ضمن مستهدفات رؤية المملكة. أهم التغيرات التي طرأت على سلوك الإنفاق الحكومي تحوله من إنفاق تنموي ( إنفاق عام) إلى إنفاق رأس مالي، مع التحفظ على اللبس لدى بعض الجهات في استخدام المصطلح. الإنفاق التنموي رغم أهميته لن يستمر بنفس الزخم للأبد فمشاريع البنية التحتية يفترض أنها اكتملت أو حتما ستكتمل. الإنفاق الرأس مالي يعني التوجه نحو الحصول على الأصول ذوات العوائد الإقتصادية والإستثمار في الفرص المهدرة كدعم للاقتصاد الريعي المرتبط بديمومة الإستثمار كعائد للدولة وتدفق مستمر لفرص العمل والتي تعتبر أكثر شمولا وتنوعا من أعمال المقاولات.
من التغييرات البارزة أيضا أن الإنفاق الحكومي لم يعد من خلال القطاعات العامة والقنوات التقليدية التي ألفتها شركات المقاولات، بل من خلال منطق إستثماري ربحي يقوده صندوق الإستثمارات العامة كأخطبوط استثماري أطلق شركاته العملاقة ليبسط هيمنته على الكثير من المجالات الإستثمارية، وكل هذه الإستثمارات وبحجمها الغير مسبوق تصب بشكل أو بآخر لمصلحة قطاع المقاولات، ولا نبالغ لو قلنا أنها فوق طاقة القطاع الحالية.
شركات المقاولات المحلية الكبرى أدركت مؤخرا هذا الإنحراف الكبيرفي إتجاهات الإنفاق الحكومي والقفزة الهائلة في حجمه و كواقع ملموس لا مجرد أرقام معلنة.
كما أدركت أنها أصبحت تتعامل مع أذرع إستثمارية عامة وخاصة لديها منهجياتها ومعاييرها ومستهدفاتها ولن ترهن استثماراتها للفكر التقليدي. ورغم الإستراتيجية العامة لدعم المحتوى المحلي من شركات ومنتجات فإننا أيضا أمام إستراتيجية معلنة لجذب الإستثمارات الأجنبية محاطة بإطار تنافسي يمنح الأفضلية للشركات الأكثر جدارة والأكثر إستيعابا للواقع الجديد. ولأن قطاع المقاولات يعتبر في حالة مخاض وأصبح أمام تحد كبير في سوق تنافسية لا تقبل النمطية فإن التحدي الأكبر لشركات المقاولات المحلية يتمثل في مواجهة الشركات الأجنبية التي ما زالت – من وجهة نظري – تتفوق على الشركات المحلية في مواجهة حجم الاستثمارات المطروحة وتعتبر أكثر قدرة على الإستجابة للتحديات الكبيرة التي تواجه القطاع. الورقة الرابحة لدى الشركات المحلية تتمثل في الدعم الحكومي للمحتوى المحلي لكن هذا لا يكفيها للصمود أو المنافسة، ذلك لأنه دعم مرهون بقدرة شركاتنا على النهوض وتطوير أعمالها، وهو في الأساس دعم لتمكينها من المنافسة والتطور والوصول لمنافسة الشركات العالمية المهيمنة على المشاريع العملاقة بالمنطقة.
تتفوق الشركات الأجنبية على معظم الشركات المحلية في ثلاثة جوانب رئيسية : القدرة على إبتكار الحلول، الإدارة الإحترافية الشاملة للمشروع والقدرة على التصميم والتنفيذ معا. أي مشروع عبارة عن فكرة، ولتحويلها لواقع يحتاج حلولا إبتكارية وتصاميما ذكية ذات مخرجات عالية بتكلفة عادلة، وتنفيذا احترافيا وفق الاستحقاقات الزمنية والمالية المقررة، وكل هذه العناصر مجتمعة تقوم بها الشركات المتخصصة، وهذا ما يعرف بالشراكة أو العلاقة التشاركية التي تطمح لها الجهات الطارحة للمشاريع بمفهومها الجديد علينا.
النهج التقليدي لدى معظم الشركات المحلية يقتصر على التنفيذ فقط ومن خلال ( جدول كميات) ربما مطبوع ومتداول من سنوات إن لم تكن عقود.
عندما نقول شركات مؤهلة فهذا لا يعني أن لديها القدرة المالية والعدد الكاف من العمالة فحسب، ولكنها شركات لديها القدرة لأن تكون شريكا للجهة الطارحة للمشروع، أي أن لديها الخبرات والحلول التي تحول المشروع من فكرة لواقع. الجهة الطارحة لا ترغب في الحصول على عناصر المشروع من عدة شركات مختلفة لأن هذا يكبدها تكلفة مالية وزمنية ويعرضها للمخاطر الفنية والتجارية التي قد تعرض المشروع للإخفاق وربما التعثر.
لدينا عدد معقول من شركات المقاولات العملاقة القادرة على المنافسة والمساهمة في تحويل آمالنا الكبيرة لواقع، تدرك هذه الشركات أنها بحاجة لتطوير أعمالها بما يمكنها من الاستفادة من الفرص الكبيرة التي يقدمها قطاع المقاولات. والتطوير الذي تحتاجه المرحلة من وجهة نظري يتحقق من الدخول في تحالفات تكاملية ( فنيا وماليا) تتعزز شمولية أعمالها، والدخول في شراكات إستراتيجية مع شركات متقدمة تقوم بالدور الإداري الذي يساعدها في إعادة هيكلة وتوظيف مواردها وينظم إجراءاتها ويحسن من جودة مخرجات أعمالها، كما أنها بحاجة للإنفاق بسخاء لاستقطاب الكفاءات البشرية المحترفة سواء المحلية أو الأجنبية التي تستطيع تمثيلها مع عملائها بشكل لائق وتحسن صورتها، كما تساهم في بناء ثقافة عملية إحترافية تغير من ( شكل) بيئات العمل البدائية البائسة التي عرفت عن قطاع المقاولات.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال