الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
إن صناعة اقتصاد يتكئ على الفنون والمعرفة والثقافة من أبرز تحديات المستقبل، أصبحت الأصول المهمة في الاقتصاد الجديد هي المعرفة الفنية والإبداع والذكاء والمعلومات.
بدأ الترويج لمفهوم “الاقتصاد الإبداعي” من قِبل الكاتب البريطاني “جون هوكنز” في عام 2001، وأطلقه على 15 نشاطًا تشمل مجالات متنوعة، تبدأ بالفنون، وتمتد لتشمل مجالات العلم والتكنولوجيا. وأشار مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) في تقريره الصادر عام 2008 حول تقييم الاقتصاد الإبداعي على مستوى العالم، إلى أن الاقتصاد الإبداعي هو ذلك النمط من النشاط الاقتصادي الذي يقوم على استغلال الأصول الإبداعية التي يمكن أن تولّد النمو الاقتصادي، وتقود إلى التنمية الاقتصادية.
ولقد عرَّف (الأونكتاد) الصناعات الإبداعية بأنها تلك السلع والخدمات التي تستخدم الإبداع ورأس المال الفكري كمدخلات أولية، والتي تشمل 4 مجموعات، هي: التراث، والفنون، ووسائل الإعلام، والإبداعات الوظيفية، على النحو التالي:
اولها يأتي “التراث” ولقد تم تصنيفه إلى مجموعتين فرعيتين: أولاهما أشكال التعبير الثقافي التقليدي، وتضم (الفنون، والحرف اليدوية، والمهرجانات، والاحتفالات). وثانيهما المواقع الثقافية، وتضم (المواقع الأثرية، والمتاحف، والمكتبات، والمعارض). ثم “الفنون” وتشمل مجموعة الصناعات الإبداعية القائمة على الفن والثقافة، وهذه المجموعة تنقسم إلى الفنون البصرية، وتضم (الرسم، والنحت، والتصوير الفوتوغرافي، والتحف). والفنون المسرحية، وتشمل (الموسيقى، والمسرح، والأوبرا، والسيرك).
أيضاً “وسائل الإعلام” والتي تغطي مجموعتين فرعيتين من وسائل الإعلام التي تنتج المحتوى الإبداعي بهدف التواصل مع جمهور كبير. والمجموعة الأولى هي النشر والوسائط المطبوعة، وتضم (الكتب، والصحافة، وغيرها من المطبوعات). أما الثانية وهي الوسائل السمعية والبصرية، فتشمل (الأفلام، والتلفزيون، والإذاعة).
وأخرها “الإبداعات الوظيفية” والتي تضم الصناعات الموجهة نحو خلق السلع والخدمات، والتي تحددها أذواق المستهلكين وديناميكية الأسواق العالمية وهذه المجموعة تنقسم إلى ثلاث مجموعات فرعية أخرى: الأولى هي التصميم، وتضم (الرسم، والأزياء، والمجوهرات، ولعب الأطفال). والثانية وسائل الإعلام الجديدة، وتشمل (البرمجيات، وألعاب الفيديو، والمحتوى الإبداعي الرقمي). والمجموعة الفرعية الثالثة هي الخدمات الإبداعية، وتضم (الخدمات المعمارية، والإعلان، والخدمات الثقافية والترفيهية، وفي بعض الأحيان الأبحاث الإبداعية).
ويمثل الاقتصاد الإبداعي نحو 3 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وهو ما أولته رؤية المملكة اهتماما كبيرا في صناعة موارد دخل متنوعة تولي الفنون أهمية وتجعل منها استثماراً ورافداً اقتصادياً يساهم في دعم الاقتصاد المحلي، والحديث عن الاستثمار في الفنون واقتصاديات المعرفة أصبح محل اهتمام .
من المعروف أن الإبداع الفني من معاير الذكاء والتميّز، فعملية صناعة جيل ذكي ومُبدع تتطلب الإنتاجية في توليد الخيال الذي نعتقد انه أهم من المَعرفَة، فالمَعرفَة مَحدودَة ضمن اطار ما نعرفه في الوقت الحاضر وما نَفهَمَه من العملية التعلمية، فيما الخيال يَحتَوي على العالم كلّه وَكل ما سيتم مَعرفَتَه في الحاضر او المستقبل. كما ان الاتجاه المستقبلي للصناعات الثقافية والابداعية يكمن في تحفيز الخيال لأفراد المجتمع الذي يعتبر المادة الخام للابداع.
كلما ارتفعت الكفاءة الابداعية من منطلق إنتاجي، ارتفعت قيمة المخرجات الفنية بالتوازي مع حجم الاستهلاك، وهذا شبيه بميدان الاقتصاد التجاري من حيث ضرورة أن يتوازن مقدار الإنتاج مع جودته، ولهذا السبب فان تطوير نوعية المنتج الفني اصبح ضرورة. بحيث تسهم الفنون الابداعية في التنمية الوطنية الشاملة وتكون صناعة الفنان المثقف هي محور هذه التنمية من خلال تحفيز الوظائفية في الابتكار والابداع، وهذا يتطلب تفعيل اللامركزية في اتخاذ القرارات إضافة إلى اشراك المجتمع المحلي في صنع القرار بهدف تدعيم دور المنتج الثقافي الابداعي بالمجتمع مما يرفع نسبة التقدم والعطاء.
لثقافة هي جزء لا يتجزأ من التراث الحضاري للأمة الذي يتميز بالخصوصية عن غيره من الامم وهي سلوك اجتماعي، مبني على الادراك الواعي للوسط المحيط بنا، إذاً لا هوية ابداعية بلا ثقافة، إذا اعتبرنا أن الثقافة لغة تواصل تستند اليها المجتمعات، ولا ثقافة ابداعية بلا هوية تحدد ذاتية وخصوصية ذلك الشعب في المستقبل.
واذا نظرنا الى المفاهيم الأساسية للصناعة الثقافية والإبداعية، من منظور اساسي وعبر المحتويات الرئيسية سنجد ان الصناعات الثقافية الإبداعية، الوظائفية في الفن، من منطلق صناعة الكفاءة الإنتاجية في التعليم وعلاقتها بالذكاء الاصطناعي وانترنت الأشياء والواقع الافتراضي، والحقيقة الافتراضية في الصناعات الإبداعية، وصناعة الواقع المعزز بالتعليم، وايضاً الاقتصاد الإبداعي في الثقافة من خلال الاستثمار في الفن التشكيلي، والتركيز على صناعة الهوية الثقافية في المجتمع.
منذ ما يقرب عشرين عاما كان تحديد مفهوم قطاع الصناعات الثقافية والإبداعية يتمحور حول ماهية رأس المال الفكري الإبداعي، وأثره في القطاع الاقتصادي. وعلى الرغم من تحديد مفهوم الصناعات الثقافية مع نهاية القرن الماضي، الا أن التطور المستمر في مجال تكنولوجيا المعلومات والذكاء الصناعي، قد اسهم في توسع دائرة هذه الصناعة لتشمل كل محتويات الإبداع الإنساني الذي يتميز بالحرفية والمهارة العالية، ولقد تم تعريف الصناعات الإبداعية ونطاقاتها في دراسة بيتزبيرج في عدة نطاقات وهي: التواصل، التصميم، الترفيه، الفنون المرئية، البرمجيات، علوم البيانات، والخدمات المكملة، فالصناعات الثقافية والإبداعية هي في الإبداع البشري الذي يتميز بالقدرة على انتاج افكار جديدة تتصف بالتفرد والأصالة، وغالبا ما تبرز هذه المنتجات الاقتصادية من رحم المبادرات التنافسية، فالثقافة هي المادة الخام، والإبداع يتلخص بالاستراتيجية الصناعية التي هي محور الاقتصاد، ويوصف اقتصاد الإبداع بانه رابع قطاع اقتصادي في العالم يقوم على الاستثمار في رأس المال الفكري والمعرفي، الذي قد لا يكون موثقا ولكنه مخزون في عقول افراد المجتمع.
اتمنى من وزارة الثقافه ان تعمل على تأسيس مؤشر للصناعات الابداعية “الاستدامة الابداعية” ومدى مساهمتها في الناتج الإجمالي المحلي لتحديد مدى إسهام قطاع الثقافة بمختلف مساراته في دعم التنمية الاقتصادية حتى تتم عمليات التنفيذ وفق محددات إحصائية ورقمية واضحة، بعيدة عن الشعارات فتأثير الاقتصاد الابداعى أوسع مما يمكن قياسه بواسطة الناتج الاقتصادي، لأنها آلية لإعادة بناء نسيج المدن وتعزيز اقتصادياتها وميزها التنافسية وتقديم العمالة والاندماج الاجتماعي، حيث تعتمد الشركات الإبداعية بشكل أساسي على المهارات والفن، ولا تعتمد على رأس المال.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال