الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
هل عبثت كورونا بهويتنا الثقافية وضيعت الكثير من ملامحها، إذا جئنا للحقيقة، نعم. كورونا لعبت بثقافات الشعوب وألغت الكثير من العادات والتقاليد وبعض الصفات المشتركة بين هذه الشعوب، في أماكن عديدة من العالم، وفرضت عليهم نمط جديد وثقافة جديدة. وسوف تتشكل تدريجيا وتفرض ثقافة جديدة تظهر أمام العالم، وهذا امر طبيعي حيث لا تبقى السلوكيات والتصرفات والعادات مرهونة للأبد، إنما تتبدل وتتغير وفق المعطيات ومتطلبات المرحلة لدينا في السعودية أحدثت كورونا تغيرا في كثير من النواحي لم نكن نتخيلها إطلاقا أنها يوما ما سوف نضطر الى تركها من هذه حب الخشوم لدى الكثير من الأشخاص حينما يلتقون في مناسبات اجتماعية أو بشخص عزيز عليهم فيقوم كل واحد منهم محاولة منه من باب التقدير حب خشم “انف” الآخر من باب المحبة. مراسم تلقي العزاء في وفاة شخص عزيز تغيرت من المنازل وفتحها أمام الناس الى تلقي التعازي إلكترونيا وهاتفيا، وعادة يصاحب أيام العزاء وهي تختلف من مدينة الى أخرى من بعد المغرب الى العشاء أو من العصر حتى العشاء ويتخللها تحضير مآدب تناول العشاء للمعزين وهذه كانت تسبب مشقة على أهل المتوفي، حفلات الزفاف تم اختصارها في عدد محدود جدا وداخل البيوت وتقتصر على أهل العروسين، فانخفضت تكليفات الزفاف وما صاحبها من نفقات عالية، وهذه جاءت من صالح الشباب.
من الأمور التي فرضتها كورونا هي ثقافة التعليم عن بعد وهي تجربة جديدة لها بعض الملاحظات في البداية لكون التجربة جديدة للجميع، ومن بينها العمل عن بعد، الاهتمام بالطعام الصحي زاد في الفترة الأخيرة بعد انتشار جائحة كورونا، نتيجة أن الناس بدأت تهتم بصحتها اكثر. طبعا قبل كورونا الناس كانت لا تعرف طعاما سوى الأطعمة الجاهزة أما من خلال المطاعم أو الطلبات من خلال التطبيقات من اهم الصور التي غيرتها كورونا وربما ساعدت في إلغاءها، أنشطة المقاهي التي كانت تقدم الشيشة والمدخنات وفي المطاعم، وحققت هذه المطاعم ثروات ومداخيل هائلة وبالغت في الأسعار، تم إلغاء هذه الخدمة في المطاعم وبسبب الإلغاء تراجعت مداخيل المطاعم نحو 60 في المائة بالنسبة للمطاعم التي كانت تقدم الشيشة، وبنسبة 100 في المائة للمقاهي التي كانت تقدم فقط خدمة الشيشة، وكانت هذه خطوة تحسب لجائحة كورونا أنها استطاعت أن تلغى طبع سيء كان منتشرا من عقود وتسببت في العديد من الأمراض.
كورونا بالنسبة للسعوديين أعطتهم فرصة ليلتفتوا لأنفسهم ويستخرجوا طاقاتهم ومواهبهم، أداء الصلوات في المسجد الحرام والمسجد النبوي أصبحت اكثر تنظيما وصحة وراحة للمعتمرين والطائفين حتى الحج كان من اجمل المواسم، اختفت المناظر السيئة التي كنا نراها وزحام وسيارات ودخان متطاير هنا وهناك، وخدمات مرتبة ومنظمة واختفى الباعة الجائلون والبسطات وأكلات غير نظيفة ومطاردة المتسولين، السعوديون تخلوا عن الكثير من السلوكيات، من أهمها التجمعات الأسرية والعائلية والنزول الى الأسواق واستعاضوا عنها بالتسوق الإلكتروني وإنجاز معاملاتهم الحكومية ومراجعة الإدارات، ارتفع الطلب على خدمات التوصيل لكل أنواع السلع والخدمات.
قبل أيام كنت أتصفح تقرير صادر من وزارة الثقافة السعودية يبين الحالة الثقافية للسعودية في عام 2020 وهو عام الجائحة، التقرير أشار الى رقمنه الثقافة، بالتأكيد كان عاما مختلفا شكلت فيه جائحة كورونا ملامح التحديات والمنجزات، هكذا قال وزير الثقافة الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان في كلمته في بداية التقرير.
حالة ثقافية جديدة عريضة تفتحت على الأنترنت سواء في وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات الفيديو أو من خلال المواقع المخصصة وتنوعت الروافد الثقافية فشملت ملتقيات وورش عمل ومسابقات ومعارض بالإضافة للأداء الموسيقي وأندية القراءة، ساهمت الوسائط الرقمية في انتشار أشكال جديدة لتداول العمل الأدبي مثل البود كاست الصوتي.
أما فيما يتعلق بثقافات الأزياء تسببت الجائحة في خفض الإنتاج الصناعي في قسم الملبوسات بنسبة 46 في المائة لتبلغ حوالي 5 مليارات ريال، وانتشرت تصاميم مريحة ملائمة للبقاء في المنازل.
ويشير التقرير الى أن عدد الحرفيين المسجلين في البرنامج الوطني للحرف والصناعات اليدوية بلغ الى نحو الفيين حرفيا وحرفية وهذا يوضح الى مدى قدرة الناس للاستفادة من أوقات الفراغ خلال الحظر المنزلي وجعلتهم يتجهوا للفنون والأعمال، جانب آخر من الفنون انتشرت خلال فترة الحجر المنزلي، وهي هواية إعادة تشكيل أولويات التصميم داخل المنزل من قبل السعوديين وغيرهم، بما تتناسب مع الوضع خاصة وان الأمر اصبح ضرورة التعامل مع الوضع فيتطلب إعادة التصميم الداخلي للمنازل وخلقت مفاهيم جديدة.
من اللافت في التقرير أن الإنتاج الأدبي شهد حالة من ارتفاع النشاط على مستوى الكتابة والنشر ويعود السبب الى التفرغ الذي أتاحته مدة العزل الوقائي ونشرت اكثر من 200 رواية وارتفع عدد الروائيات الى 123 روائية وهو مؤشر جيد الى أن النساء وجدن فرصة للتعبير وكتابة ما عايشنه.
سيتذكر السعوديون جيدا أيام جائحة كورونا والحظر والحجر المنزلي وما رافقها من تعليمات وتشريعات وأنظمة وقوانين، وأيضا سيتذكرون أيضا جهود حكومتهم ومبادراتها وخططها وبرامجها من اجل مواجهة فايروس كورونا، وكيف تعاملت بحزم وشدة ودن تردد من اجل سلامة مواطنيها والمقيمين على أراضيها ونالت إعجاب منظمات عالمية، وقلدتها العديد من الدول العظمى في خططها وبرامجها التي طبقتها، وان كنا قد تخلينا عن بعض العادات والتقاليد، فإننا سنتذكر كورونا أنها صححت فينا بعض السلوكيات الخاطئة لو مكثنا زمنا طويلا لما استطعنا.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال