الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
كمواطن عادي أجد صعوبة في التفاؤل بتراجع نسبة البطالة إلى 10% في المدى القصير، فالتجارب السابقة، بكل ما حملته من مشاكل وأخطاء وفساد، تجعل ذلك التفاؤل نوع من خداع النفس. لكن كمطلع على ما يحدث في سوق العمل والاقتصاد السعودي بشكل عام أجد أن هذا التفاؤل مبرر، بل أعتقد بحتمية حدوثه خلال ما تبقى من هذا العام 2021.
الأرقام تقول إن الارتفاع الكبير في معدل البطالة الذي تسبب فيه وباء كورونا بكل تداعياته، الذي بلغ 15.4٪ خلال الربع الثاني من العام 2020، قد تم جسره واقتراب المعدل في أخر نشرة من أرقام 2019، إذا انخفضت النسبة إلى 12.6٪ وهذا التراجع الكبير خلال فترة وجيزة يعني أن العمل لعلاج مشكلة البطالة جاد ويسير في الطريق الصحيح. لكن ما الذي يحدث ويجعلني كمراقب لسوق العمل اتفاءل بأن خفض البطالة لما دون 10٪ خلال الأشهر القادمة أمر ممكن.
أولا الخطوات العملية التي اتخذتها الحكومة للوقاية من وباء كورونا، عملت وتعمل على تسهيل العودة للحياة الطبيعية تدريجيا، بما في ذلك جرعات التطعيم الكبيرة التي وفرتها وزارة الصحة، لتكون المملكة واحدة من أكبر دول العالم تحصينا. والعودة للحياة الطبيعية تعني توفر المزيد من فرص التوظيف، وهذا واضح ومباشر التأثير، لذلك أتوقع أن يبلغ التوظيف مستويات عالية خلال الصيف القادم.
قبل ذلك، فرغم ما تسبب به الوباء من أضرار اقتصادية مؤلمة، إلا أن له أثر إيجابي على سوق العمل. فقد سرّع بإخراج أعداد كبيرة من العمالة الوافدة، ربما كان من الصعب خروجها بتلك الأعداد والسرعة لو لم يكن، وهذا سيسهل عملية إحلال العمالة السعودية بعد عودة الاقتصاد لمستوياته الطبيعية.
كذلك التحسن المتوقع في سوق النفط، سوف يعمل على تسريع عمليات التوظيف في القطاعين العام والخاص، كنتيجة مباشرة للتحسن المتوقع في العوائد النفطية. وذلك من خلال عودة عجلة التنمية للعمل وتحديدا مشاريع رؤية السعودية 2030.
وفي السياق نفسه مشروع (صنع في السعودية) أحد مشاريع الرؤية الذي بدأ تنفيذه بجدية غير مسبوقة. من ذلك إلزام الشركات السعودية التي تتعامل مع مشاريع الرؤية بتصنيع جزء من منتجاتها داخل المملكة، ولن يقبل منها استيراد تلك المنتجات التي يمكن انتاجها في الداخل. وقد بدء فعليا في تنفيذ هذا المشروع الواعد الذي سيجعل من المملكة واحدة من أهم الدول الصناعية في المنطقة. كذلك قرار عدم تعامل الحكومة مع الشركات العالمية التي لها مقار إقليمية ما لم يكن لها فرع في المملكة.
ولعل تمكين المرأة والتوسع في توظيفها في مجالات ومواقع لم تكن تعمل بها أحد أهم الأسباب الرئيسية في خفض معدل البطالة. فإذا عرفنا أن بطالة الإناث كانت تتجاوز 34٪ العام 2016، وكانت ومازالت هي السبب الرئيسي في معدل البطالة المرتفع للسعوديين. حيث أن معدل بطالة الذكور السعوديين يتراوح في الغالب بين 5-8٪. لكن بعد قرارات تمكين المرأة تراجع معدل بطالة الإناث في التقرير الأخير لسوق العمل إلى 24.4٪ كأقل معدل لبطالة السعوديات في تاريخ سوق العمل السعودي. ومن المتوقع أن يستمر هذا الرقم في الانخفاض خلال الأشهر القادمة بتسارع عالي. وذلك بكل تأكيد سيؤدي إلى تراجع معدل البطالة بدرجة كبيرة.
أخيرا الإجراءات التي تقوم بها وزارة الموارد البشرية، مثل الاتفاقيات مع الهيئات المهنية بمختلف تخصصاتها، لإحلال العمالة السعودية محل الوافدة تدريجيا. والعمل على تنفيذ تلك الاتفاقيات بجدية حقيقية لم يشهدها سوق العمل من قبل. كذلك برنامج توطين لبعض المهن الذي أصبح واضح المعالم، وجاد في نوعية الوظائف ومعدلات الأجور وآلية التطبيق.
إضافة إلى ذلك رغبة الشباب السعودي في العمل لدى القطاع الخاص. حيث أظهرت إحصاءات سوق العمل للربع الرابع 2020 أن 96٪ من الشباب السعودي الذكور، و91.5٪ من الإناث أبدوا استعدادهم للعمل في القطاع الخاص. ولتلك الأرقام بكل تأكيد معاني كثيرة أهمها تغير نظرة الشباب السعودي للقطاع الخاص، وهو ما سيعمل على دفع عملية التوظيف إلى الأمام وبقوة.
كل ذلك سوف يؤدي إلى تسريع خفض معدل البطالة خلال الأشهر القادمة. وأعتقد أن المعدل سوف ينخفض إلى ما دون 12٪ في نشرة سوق العمل للربع الأول 2021.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال