الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
بعد جائحة كورونا اتخذت العديد من المنشآت العالمية قرارا باعتماد استراتيجية العمل عن بعد كخيار رئيسي دائم للعديد من وظائفها، مثل جوجل ومايكروسوفت وفيسبوك وغيرهم. هذا ما جعل الكثير يفكرون في جدوى وجود المقرات الإدارية للمنشآت خصوصا الصغيرة، فبالطبع المنشآت الكبيرة حتى وان اعتمدت خيار العمل عن بعد فوجود مقار إدارية لها سيظل عنصر أساسي ومهم للكثير من الأسباب، لكن عند الحديث عن المنشآت الصغيرة والمشروعات الناشئة في بداياتها، هل يمكن لها أن تعتمد استراتيجية العمل عن بعد بدون وجود مقر إداري لها أم لا؟ هذا التساؤل ما وددت أن أُلقي الضوء عليه في هذا المقال.
هناك بالفعل في بعض المجالات، من بدأ مشروعه باتباعه استراتيجية العمل عن بعد كليةً، وهناك من تحول إلى هذا النموذج بعد أن كان لديه مقر إداري لمنشأته، بحيث يقوم بجميع عملياته عن بعد، التوظيف والمقابلات والاجتماعات والعمليات عبر التطبيقات والأنظمة الإدارية والمخصصة لذلك. بالطبع سيكون من الصعب الحكم على هذا النموذج بشكل كامل لعدم مرور الكثير من الوقت على الكثير من تلك المنشآت، لكن بالرغم من ذلك يمكننا استقراء بعض الإيجابيات والسلبيات والتي بمناقشتها أتمنى أن نعمل على تعزيز الإيجابيات وتلافي السلبيات مستقبلا، لأني أرى أن هذا النموذج قد يكون جزء أساسي من تشكيل طريقة العمل في المستقبل للعديد من المنشآت الصغيرة والمتوسطة.
في البداية، دعنا نتحدث عن إيجابيات وسلبيات هذا النموذج على المنشأة نفسها. والحقيقة هناك العديد من الإيجابيات، أهمها توفير الكثير من المصروفات، من إيجارات ومصروفات مكتبية وإدارية وصيانة، وغيرها من المصروفات التي تُكلف المنشأة مبالغ طائلة سنوياً، وبتوفير هذه المصروفات يُمكن للمنشأة الاستفادة منها في تعيين موظفين بكفاءة أعلى أو تخصيص جزء منها للحوافز والمكافآت، أو استثمارها في خدمات ومشاريع جديدة، أو غيرها. أيضاً العمل بهذا النموذج يجعل هناك مرونة كبيرة في جميع جوانب العمل، بدايةً من القدرة على العمل مع أي موظف مناسب للمنشأة من أي مكان، مروراً بالمرونة في تسيير العمل نفسه، من خلال القدرة على تحديد أوقات عمل مناسبة ومرنة، أيضا يساعد هذا النموذج المنشأة في القدرة على النمو من خلال العمل باستراتيجيات مختلفة مع الموظفين، كالتوظيف بدوام كامل أو دوام جزئي أو التوظيف بناء على المشروع، فسيكون أمام المنشأة خيارات أكثر في طريقة العمل حسب طبيعة المشاريع التي تعمل عليها.
على الرغم من هذه الإيجابيات، هناك بعض السلبيات، تتمثل في احتياج المنشأة لبذل الكثير من الجهد لخلق الولاء والترابط بين الموظفين والمنشأة، كذلك بذل جهد أكبر في تحفيز الموظفين بشكل مستمر والتأكد من اندماجهم مع المنشأة ورؤيتها وأهدافها، وضمان سير العمل بالطريقة المثلى.
أما على الجانب الآخر، بالنسبة لسلبيات وإيجابيات هذا النموذج على الموظفين فهي تختلف باختلاف شخصية كل موظف. فكما نعلم هناك نوعين من الشخصيات: الشخصية الانطوائية التي تحبذ العمل بمفردها، وتُبدع خلال انفرادها بذاتها؛ وشخصية اجتماعية تُفضل التواصل البشري والعمل في وسط محيط من الناس، وابتعادها عن تلك البيئة يُصيبها بالوحدة والاكتئاب مما يؤثر بالسلب على أدائها في العمل. ولكن أياً كانت شخصية الموظف وتفضيلاته الشخصية، فالعمل وفق هذا النموذج يعطيه القدرة على التوازن بين الحياة والعمل بشكل أكبر. وفي جميع الأحول هناك أمور يحتاج الجميع أن يشعر بها من أجل الاستمرار في وظيفتهم؛ منها: الشعور بالأمان الوظيفي، والشعور بأن المسؤول عن العمل يمارس عمله كما يجب ولا يكتفي فقط بمراقبة الأعمال عن بعد، لأن ذلك يولد لدى العاملين رغبة في التكاسل والإهمال في العمل، أيضاً يحتاج الموظفون للشعور بوجود قواعد إلزامية، فالطبيعة البشرية تميل للراحة والتكاسل وتأجيل العمل ما لم يكن هناك قواعد تلزم الشخص بالعمل لإنجاز المهام المطلوبة منه خلال فترة محددة.
في النهاية؛ أود القول كما ذكرت سابقا أن الحكم على نجاح هذا النموذج يحتاج إلى وقت أكبر، لكن أرى من وجهة نظري أنه يجب أن نعمل جميعاً على إنجاح أي نموذج عمل يؤدي إلى جعل العمل أكثر مرونة من خلال الاستفادة من الإمكانات التقنية، والتي ستشكل جزء أصيل من مستقبل العمل.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال