الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لا شك لدي أن ما تقوم به حكومة خادم الحرمين الشريفين (حفظه الله) بجعل المملكة دولة صناعية يسير في الطريق الصحيح، لكن النصف الأهم من هذا الحلم الكبير الذي انتظرناه طويلا لا يقع على عاتق الحكومة بل على عاتق المجتمع.
في زياراتي للأقسام التاريخية في متاحف العالم، كنت ألاحظ أن الأدوات المستخدمة في الزراعة أو الصناعة بيننا وبينهم كانت متطابقة حتى مرحلة معينة، ثم يتوقف تطويرها لدينا ويستمر التطور لديهم حتى وصلوا لزمن الذكاء الاصطناعي. كان التطور بسيطا جدا في المراحل الأولى ثم أصبح ضخما ومتسارعا.
كان السؤال الذي حيرني، لماذا توقف تطور الأدوات لدينا؟ في البداية كنت أظن أن العلم والمعرفة هما السبب، لكن سقطت هذه الفرضية بما وصل إليه المجتمع السعودي من معرفة في مختلف المجالات. كما أنها سقطت أصلا بفكرة، لماذا لم يعمل مجتمع الجزيرة العربية على تطوير أدواته الخاصة لتحسين وتسهيل أعماله وحياته؟ مثلا الأدوات الزراعية والمنزلية التي بقيت كما هي عليه منذ آلاف السنين لم تتغير حتى بدأت فكرة الاستيراد.
الحقيقة أن هذا السؤال ظل يلازمني طويلا، وكنت أطرح الكثير من الفرضيات، لأجد مبررا لعدم تطور الأدوات البدائية لدينا إلى أن تم استيراد الأدوات الحديثة من العالم. وحتى بعد استيراد تلك الأدوات لم نستطع التفكير بتطويرها، بل تظل كل أداة كما هي حتى يتم استيراد الاحدث من الخارج. لذلك قمنا باستيراد كل شيء، ومع كل أداة نستوردها من الخارج كنا نتخلى عن جزء من ثقافتنا وماضينا ونحل محلها ثقافات وتاريخ العالم الخارجي.
بعد تفكير طويل جدا استمر لسنوات طرحت خلالها الكثير من الفرضيات التي تبرر توقف تطور الأدوات في الجزيرة العربية، أعتقد أني توصلت للسبب الجوهري، ذلك هو انعدام ثقافة تحويل الأفكار إلى منتجات ومن ثم إلى صناعة.
الصناعة حلقة تبدأ بمشكلة أو حاجة، ثم فكرة لحل تلك المشكلة أو لإيجاد تلك الحاجة، ثم العمل على تحويل الفكرة إلى منتج، وعند وجود المنتج سوف يتحول في الغالب إلى صناعة أو جزء من صناعة.
تلك السلسلة تتم على المستوى الفردي غالبا، أو على مستوى الشركات في أقصى الأحوال. ويندر أن تقوم الحكومات بتطوير الأفكار والمنتجات بسبب طبيعتها في اتخاذ القرارات وآلية العمل. ولو فكرنا في كل المخترعات العظيمة التي نستخدمها اليوم لوجدنا أنها أفكار ومنتجات فردية وليست حكومية، ولا حتى من عمل الشركات في البداية على الأقل.
ولأن جزء من المجتمع السعودي تعود على عدم التفكير في حلول لمشاكله التقنية والصناعية وانتظار الحلول من الخارج، لذلك فهو يفتقر لوجود منتجات سعودية حقيقية، بداية من الفكرة وحتى المنتج. وجل ما لدينا من الصناعات هي مجرد تجميع لمنتجات خارجية، ليس لنا منها سوى الأرض والمال، وفي بعض الحالات بعض العمالة.
فمنذ سنوات ونحن نسمع عن أفكار ومبتكرات لشباب سعوديين في مختلف المجالات، لكننا لا نرى تلك المنتجات على أرض الواقع، خصوصا تلك التي تحصل على براءة اختراع. برأيي أن السبب في ذلك يمكن إيجازه بثلاث نقاط رئيسية هي كما يلي:
السبب الرئيسي برأيي هو عدم حماسة أصحاب الأفكار لتنفيذ أفكارهم بأنفسهم وتحويلها إلى منتجات. وأفضل ما يقومون به هو بحثهم عمن يشتري منهم تلك الأفكار، أو يشاركهم في إنتاجها.
ثانيا عدم رغبة الشركات والبنوك في تمويل تلك الأفكار الجديدة في الداخل، أو حتى شراءها وتنفيذها. لأن الشركات السعودية تحقق أرباح كبيرة جدا بجهد بسيط وهو استيراد السلع من الخارج وتسويقها بأسعار خيالية. كما أن الشركات تفتقر للفرق البحثية التي تعمل على تطوير المنتجات التي تعمل فيها.
أخيرا عدم وجود بنية صناعية قادرة على تحويل الأفكار إلى منتجات بسهولة وبتكلفة في متناول اليد. وهذا برأيي في طريقه إلى التغير.
ما أتمناه أن يواكب المبتكرون والشركات مشروع (صنع في السعودية) بالعمل على تحويل أفكارهم إلى منتجات وصناعات، معتمدين على الحماسة الواضحة للحكومة إلى جعل الصناعة حقيقة. كما أتمنى أن تحرص الحكومة على دعم تحويل الأفكار السعودية إلى منتجات.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال