الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
منظومة الصناعة الغير تقليدية في الولايات المتحدة كانت دائما محل تساؤل بغرض الاستفادة منها كنموذج قياسي، وقد أخذت في التطور الابتكاري المتسارع على مدى أكثر من ٦٠ عام لكي تظهر في الشكل الذي أبهر الجميع، وهي مؤسسة على أربع ركائز رئيسة: الهدف الواضح من الابتكارات، البحث العلمي الجامعي، المنشآت الصغيرة الريادية، والممول الجريء.
ولكن مع ظهور منظومات صناعية ابتكارية أخرى ومن أهمها الصينية، لم تعد المنظومة الأمريكية تلك المعروفة بتفوقها الأحادي قديما، فماذا الولايات المتحدة فاعلة أمام خصومها؟
أوجدت الولايات المتحدة قاعدة ابتكارات وطنية مستوعبة ومدارة بثقافة ابتكارية أيضا، بعد أن تنبهت – فور انتهاء الحرب العالمية الثانية وتحضير نفسها لمرحلة جديدة – لأهمية الصناعات الابتكارية الناتجة، ومساهمتها الفاعلة في تحقيق أهداف الولايات المتحدة العليا سياسيا وعسكريا واقتصاديا واجتماعيا، وفي مثل هذه الظروف ومع حالة عدم اليقين بما ينتظرها في المستقبل، كان لا بد من تجنب الحراك العبثي في الابتكارات، الذي يمكن أن ينعكس في شكل نتائج ليست ذات وزن حقيقي في خدمة أهدافها الاستراتيجية الوطنية.
ما حصل هو أن فوّض “الكونجرس” وقتها (ما بين أواخر الأربعينيات وبداية الخمسينيات ميلادية من القرن الماضي) وزارة الدفاع الأمريكية للتعاطي مع ملف الابتكارات الذي رُبط بالأمن القومي، فكان ما نراه أمامنا اليوم من إنترنت، وخرائط جوجل، والحوسبة السحابية، ووسائل الاتصالات، والعديد من الخدمات والصناعات والمنتجات ذات القيمة التجارية المدنية وهي في الأصل نتاج كان هدفه الأول والأساس خدمة الأمن القومي الأمريكي، مما بلور – مع الوقت – إلى تعريف نوعية التعليم المطلوب لنرى جامعات أمريكية لا ينافسها أحد، والصناعة المطلوبة التي لا ينافسها أحد، والاقتصاد المعرفي المطلوب الذي لا ينافسه أحد أيضا، والتمويل الجريء النوعي الذي أول من فنّه كان وزارة الدفاع الأمريكية، مما جعل الولايات المتحدة في المقدمة دائما.
ولكن منذ أكثر من ثلاث عقود تقريبا، ساهمت البيروقراطية البالية (وأمور أخرى) لوزارة الدفاع الأمريكية في السماح للإسقاط “البراشوتي” للقطاع الخاص الرأسمالي اللاهث كعادته وراء المكاسب في إدارة ملف الابتكارات، ومع ضغط توصيات مكاتب الاستشارات الإدارية الكارثية التي ركزت على مسألة تخفيض التكاليف لأجل المنافسة عالميا، انتقلت كثير من الصناعات الأمريكية القائمة على الابتكارات لخارجها، وهذا ساعد العديد من الدول في منافسة الولايات المتحدة وخاصة الصين التي أصبحت منافس شرس يهدد الولايات المتحدة في ريادتها وأمنها الاقتصادي المعتمد على الصناعة التي لم تعد – في معظمها – قائمة على أراضيها.
ولكن هل ستسمح الولايات المتحدة للتنين الصيني أن يأخذ مكانها، هذا ما سنتعرف عليه في مقالة الأسبوع القادم بمشيئة الله.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال