الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يَملِكُ مجلس إدارة الشركة المساهمة أوسعَ الصلاحيات في سبيل تحقيق الغرض المُحدَّد للشركة (م/75-1 شركات)؛ وهذا ما يَجعَلُ من قرارات مجلس الإدارة في قمَّة مستويات العمل الإداري للشركة عملياً.
فعلى الرغم من أنَّ مجلس الإدارة يخضع لرقابة ومساءلة الجمعية العامة نظرياً، إلاَّ أنَّ هذه الرقابة محكومةٌ بمستوى ثقافة حملة الأسهم وقدرَتِهِم على التدخُّل والتصويت في مصلحة الشركة، كما أنَّها رقابةٌ تنحصر عادةً في القرارات الهامة في عناوينها ومضامِينِهَا، أمَّا قرارات التسيير الطبيعية، فقد لا تنتبه لها جموع المساهمين، في الوقت الذي قد يَحمِلُ مَضمُونَهَا خطراً على مستقبل الشركة.
فعلى سبيل المثال، يكون لمجلس الإدارة وفق نظام الشركات زيادة أعباء الشركة من القروض مهما كانت مُدَّتها (م/75-2 شركات).
هذه الصلاحيات، يمكن لمجلس الإدارة أن يَستَخدِمَهَا استباقاً لأية عملية استحواذٍ قبل أن تبدأ مثلاً، فيقوم بزيادة ديون الشركة، بغرض مُرَاكَمَتِهَا، الأمر الذي قد يدفع عارض الاستحواذ إلى العدول عن رغبته بشراء الشركة.
كما أنَّ المجلس سيَتَمَسَّكُ بأنَّ القرض يَقَعُ ضمن دائرة العقود العادية غير الجوهرية للشركة التي لا تتجاوز 10% من إيراداتها السنوية (م/39-د لائحة الاستحواذ)، فعندها لا يحتاج المجلس موافقة الجمعية العامة على القرض حتى في ظروف الاستحواذ؛ حيث إنَّ لائحة الاستحواذ الصادرة عن السوق المالية قد حصرت موافقة الجمعية العامة ضمن إطار العقود الخارجة عن الإطار العادي لإدارة الشركة في ظروف الاستحواذ (م/36-أ-6 لائحة الاستحواذ).
بالنتيجة، فإنَّ قرارات مجلس الإدارة في الشركة تحظى بتأثيرٍ عمليٍّ فائقٍ على أداء الشركة ومُستَقبَلِهَا، ذلك إلى الدرجة التي قد لا تستطيع الجمعية العامة مُواكَبَتِهَا أو حتى الانتباه إلى ما ورائها.
ومن هنا، فإنَّ من أهمِّ قواعد الحوكمة الإدارية هي تلك التي تحكم آلية اتِّخاذ القرار في مجلس الإدارة؛ فالمجلس يتكوَّن من مجموعةٍ من الأعضاء لا يقلُّون عن 3 ولا يزيدون عن 11 عضواً (م/68-1 شركات).
بناءً عليه، فإنَّ قرارات مجلس الإدارة تصدر بأغلبية الأعضاء الحاضِرِين أو المُمَثَّلِين في الاجتماع (م/83-4 شركات)؛ مثل صوتَيْن مقابل صوت للمجلس المتكوِّن من 3 أعضاء.
أمَّا إذا كان المجلس مُتَكَوِّناً من 5 أعضاء لم يحضرْ منهم سوى 4، وتساوى الرأي الموافق على صوتَيْن، كما تساوى الرأي المُغايِر على صوتَيْن أيضاً؛ فهنا يتمُّ الاحتكام إلى الرأي الذي يدعمه صوت رئيس الجلسة (نفس المادة).
هكذا كانت قواعد نظام الشركات، إلاَّ أنَّ لائحة الحوكمة الصادرة عن هيئة السوق المالية بخصوص الشركات المدرجة في السوق، هذه اللائحة قد منحت للرأي المُغايِر من أعضاء مجلس الإدارة أهميةً أكبر.
فقد نصَّت اللائحة على حالتَيْن مُرتَبِطَتَيْن بهذا الموضوع، كالتالي:
الملحوظات على أداء الشركة من أيِّ عضوٍ في المجلس، ذلك في الوقت الذي لم تدخلْ هذه الملحوظات ضمن قرارات هذا المجلس، فهنا يجب تدوين هذه الملحوظات، ثم: “بيان ما يتَّخذه المجلس أو يرى اتِّخاذه من إجراءات حيالها في محضر اجتماع مجلس الإدارة” (م/33-أ لائحة الحوكمة).
بالتالي، حتى وإن كانت الملحوظة صادرةً عن عضوٍ واحدٍ من مجلس الإدارة، فمن واجب المجلس توضيح ما يراه مناسباً حيالها، الأمر الذي يُخرِجُ أفكار “الأقلية” من أعضاء مجلس الإدارة إلى العلن، ويُقِيمُ مسؤولية الأعضاء المُهمِلِينَ إذا لم يتعاملوا مع ملحوظات الأعضاء الآخرين بجديةٍ.
إثبات الرأي المُغايِر لقرار المجلس (م/33-ب لائحة الحوكمة)، فإذا أكَّد أحد الأعضاء على مُخالَفَتِهِ لقرار مجلس الإدارة، فيجب أن يتمَّ إثبات هذا الرأي المُغايِر في محضر اجتماع المجلس، الأمر الذي قد يُعفِي العضو المُخالِف من أية مسؤولياتٍ قد تَنتُجُ عن هذا القرار مستقبلاً، ويَسمحُ للجمعية العامة بالاطِّلاع على كيفية اتِّخاذ القرارات في المجلس بشفافيةٍ.
لكن التساؤل الذي يطرح نفسه هنا:
ما هي القيمة العملية لهذه الحقوق المَمْنُوحَةِ لعضو مجلس الإدارة المُخالِف؟
الحقيقة، أنَّ الرأي المُغايِر لن يأخذَ أكثر من أهميةٍ توثيقيةٍ في مصلحة العضو المُخالِف، في الوقت الذي تملك أغلبية الأصوات في المجلس تجاهل رأي الأقلية المُخالِفة، ثم المضيِّ قُدُمَاً في تسيير الشركة وفق ما ترى.
وفي هذا المجال، أكَّدت لائحة حوكمة الشركات الصادرة عن مجموعة العشرين عام 2015 على ضرورة أن يعمل مجلس الإدارة بشكلٍ يُحقِّقُ: “أفضل مصلحةٍ للشركة والمساهمين” “duty to act in their best interests” (المبدأ VI، صـ45)، وقد تكون هذه المصلحة كامنةً في الرأي المخالِف الذي تبنَّته الأقلية ضمن المجلس.
بالتالي، إنَّ حوكمة اتِّخاذ القرار في مجلس الإدارة تحتاجُ إلى مَنحِ الرأي المُغايِر المزيد من الأهمية والتأثير في عملية الإدارة، الأمر الذي يمكن ضمانه بالرجوع إلى الجمعية العامة.
وهنا تبدو ضرورة توضيح الأكثرية في المجلس لسبب تصويِتِهَا على قرارٍ مُعيَّنٍ، ثم توضيح الأقلية لسبب مخالَفَتِهَا لهذا القرار.
ثم يمكن مَنحُ الأقلية من أعضاء المجلس، الحقَّ بالاعتراض على القرار الصادر بالأكثرية عبر اجتماعٍ طارئٍ للجمعية العامة غير العادية للشركة يدعو له العضو المخالِف.
أي أن يُضافَ إلى حالات انعقاد الجمعية غير العادية، حالة ورود اعتراضٍ من أعضاء مجلس الإدارة، يَطلبُ من هذه الجمعية أن تكون هي الحَكَمُ بين أعضاء المجلس الموافِقِين والمُخالِفين لقرار مُعيَّنٍ.
وبغرض عدم عرقلة إدارة الشركة بسبب أيِّ اعتراضٍ بسيطٍ، يمكن أن يتمَّ اشتراط نسبةٍ مُعيَّنةٍ من الأقلية المُخالِفة لقرار الأكثرية، كأن تُمثِّلُ الأقلية عضوَيْن في مقابل 3 أعضاء، أو في حالة تساوي الأصوات وترجيح صوت رئيس الاجتماع للقرار.
ففي هذه الحالة، يمكن للأقلية في مجلس الإدارة أن تُساعِدَ الجمعية العامة لاستيعاب الموقف، وإظهار وجهة نظرها بكلِّ شفافية، ممَّا يدعم ثقافة حملة الأسهم، ويُتيحُ لهم اتِّخاذ القرار الصحيح، إمَّا بتأييد قرار الأكثرية في مجلس الإدارة أو نقض القرار وتأييد رأي الأقلية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال