الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أعلنت الصين عن نيتها لإصدار عملتها الرقمية في 2013، وهذه الأيام يزداد وهيج الإشارات الصادرة على أن الاطلاق الرسمي متوقع أن يكون في غضون الأشهر المقبلة، فقد انتهى البنك المركزي الصيني من الجولة الأخيرة من اختباراته المعملية للعملة الرقمية في 2020، والتي استهدفت نصف مليون مستهلك في 11 منطقة صينية محلية، وتقوم حاليا بتجربة اليوان الرقمي عبر الحدود مع هونج كونج، والانتهاء من تطوير منصة مركزية لجعلها قابلة للتداول الدولي.
بعكس العملات المشفرة اللامركزية مثل البيتكوين والدوجكوين والإيثريوم، فإن اليوان الرقمي مدعوم من قبل الحكومة الصينية، وسيكون كالنقد الرسمي المتداول مما يجعله آمنًا تمامًا، وسيمنح الحكومة الصينية سيطرة كاملة على المعروض النقدي، بعكس العملات التقليدية أو المشفرة اللامركزية التي لا يمكن للجهات الرقابية متابعة كل معاملاتها خاصة تلك التي تحدث بشكل لحظي أو في الظل.
كما أن العملة الرقمية الصينية الجديدة ستختلف اختلافًا جوهريًا في خدماتها عن كل العملات الموجودة على منصات الدفع العالمية حاليا، خاصة في تسوية المعاملات التجارية على مستوى الأفراد وبسرعة فائقة، لأنها لن تحتاج إلى بنوك وسيطة، وهذا يعني عدم وجود رسوم خدمة بنكية، وأقل تكلفة في الإقراض الفوري للأفراد داخل وخارج الصين، ومسألة الإقراض هذه تقلق العديد من الدول لأن لها تبعات سلبية على اقتصاداتها المحلية.
أما في التجارة البينية الدولية والمستخدم فيها الدولار الأمريكي كوسيط عبر بروتوكول “سويفت” (SWIFT) المصرفي الدولي، لن تحتاج الدول في معاملاتها مع الصين – من خلال اليوان الرقمي – إلى الدولار أو خدمة “سويفت” القديمة والبطيئة، خاصة لحوالي 120 دولة تعتبر الصين أكبر شريك تجاري لها، وستسمح العملة الرقمية الصينية لهذه الدول وأسواقها في تسوية وتغطية تعاملات مالية سنوية متوقعة بينها، وبانعتاق تام بأكثر من 50 مليار دولار أمريكي، وبانعتاق آخر من اليورو أيضا.
أمام هذا الحراك الصيني النوعي، مازالت البنوك المركزية خاصة في الغرب (الاحتياطي الفيدرالي، وبنك إنجلترا، والبنك المركزي الأوروبي) تتحرك ببطء في اصدار عملاتهم الرقمية لعدة أسباب فنية (المتوقع ليس أقل من 5 – 4 سنوات حتى نرى الدولار أو اليورو الرقمي)، ومسألة أن جميع تعاملات هذه العملات الرقمية ستكون مرئية تماما للجمهور بسبب طريقة عمل تقنية “البلوكشين” تقلق الغرب كثيرا، ولكن القلق الأكبر يكمن في اليوان الصيني الرقمي نفسه، ومدى تأثيره على النظام المالي العالمي الحالي، وكيف يمكن الوقوف أمامه.
الصين التي قدمت العملة الورقية للعالم بالأمس، هي من تقدم له العملة الرقمية الحكومية اليوم، وفي وسط التوترات الاقتصادية والسياسية المتصاعدة بين الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، يبدو في الأفق ملامح جائحة صينية جديدة قادمة بسبب عملتها الرقمية، والتي ستغير قواعد اللعبة جذريا في تحرير التعاملات المالية والتشريعات الاقتصادية وأيضا التحالفات الجيوسياسية، ليطرح السؤال نفسه علينا جميعا وهو هل سيقود اليوان الرقمي عملية إعادة رسم خارطة العالم من جديد؟
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال