الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
خرجت وكالة الطاقة الدولية (IEA) منذ أيام بتقرير غريب وفي وقت حساس، تشهد فيه أنشطة المنبع للنفط والغاز تراجعا كبيرا منذ عام 2016 حتى جاءت الجائحة، وشهد منتجو النفط من خارج منظمة البلدان المصدرة للبترول “أوبك” انخفاضا كبيرا في استثمارات المنبع لأعمال التنقيب والإنتاج في عام 2020 عند 311 مليار دولار فقط، وهذا أدنى مستوى شوهد منذ 15 عاما، ومن المتوقع أن يظل دون تغيير في عام 2021 بالمقارنة مع المستوى المرتفع الذي بلغ 718 مليار دولار في عام 2014.
جاءت وكالة الطاقة الدولية بتقرير (التقرير هنا) مفاده أن لا حاجة لأي استثمارات مستقبلية في إمدادات الوقود الأحفوري بغية السير تجاه الصفر الكربوني بحلول عام 2050، والغريب هو أن هذه الوكالة والتي أسست لكي تراعي مصالح أكبر مستهلكي الوقود الأحفوري في منظومة دول مجلس التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) تنتهج لغة عدوانية جديدة في تعاطي هذا الملف، فقد دعى التقرير – حسب ما جاء فيه – إلى مالا يقل عن تحول كامل في كيفية إنتاج ونقل واستهلاك الطاقة، مما ينبئ عن كارثة قادمة على العالم الذي لا يستطيع استبدال أو الاستغناء الفوري عن الوقود الأحفوري، وبسبب أن الوكالة – كما عودتنا – لها تاريخ مع خطأ العديد من توقعاتها طويلة المدى، فقد وصفت “أوبك” التقرير بأنه متناقض، ويمكن أن يؤدي إلى تقلبات في سعر الخام لا تحمد عقباها.
وكالة الطاقة الدولية وراءها حراك حكومي قوي لدول OECD في هذا التوجه، والذي سيكون مدعوم بحرب إعلامية ضروس في المرحلة القادمة على إنتاج النفط والغاز والمنتجين لبناء موقف مضاد لهذه المصادر لدى المجتمعات، وهذه الحرب الإعلامية غالبا ما سيخسرها المنتجين، والطامّة هنا ليست في خسارتهم المعركة ولكن في شيطنتهم كأعداء للبيئة والمناخ والإنسان، ومع ضعف الأدوات الإعلامية في مجال النفط في هذه الدول المنتجة – التي لا تستطيع أن تتخاطب مع داخلها فضلا عن خارجها في توضيح مثل هذه الأمور – فلن تقدر على الدفاع عن نفسها.
ولكن لماذا هذه الحرب على مصادر الطاقة الأحفورية، وهل بالفعل السبب وراءها هو حماية العالم من انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وكيف يمكن مواجهة الحملة الإعلامية الشرسة – القادمة لا محالة – على منتجي النفط والغاز خاصة أعضاء منظمة “أوبك”؟
هنا، لا بد من إلقاء الضوء على القضية من زاوية مختلفة، ربما تساهم في حل لغز ما وراء الحرب الراديكالية القادمة على النفط، ولماذا كل هذا الاهتمام بمصادر الطاقة المتجددة خاصة مع الإهمال الواضح لحقيقة الدورة المناخية الطبيعية، وحقائق علمية أظهرت بأن موجات السخونة اليوم هي نفسها في عام 1900، وأنشطة البراكين لا علاقة للإنسان بها، وأن الغلاف الجليدي اليوم لا يتقلص بوتيرة أسرع مما كان حاصلا قبل 80 عاما، وأن حرائق الغابات اليوم قد انخفضت نسبتها بحوالي 25% مما كان عليه الوضع في عام 2003، وأن مؤتمر المناخ الافتراضي الأخير لم يتحدث فيه عالم مناخ واحد، ولكن مجموعة من الناشطات النسويات ممن لا علاقة لهن بالأمر لا من قريب ولا من بعيد.
كل مرحلة صناعية مفصلية تقوم على ثلاث ركائز، أولا مصدر الطاقة المستخدمة في الصناعات، وثانيا وسيلة نقل المنتجات، وثالثا وسيلة إدارة سلاسل الإمدادات والإنتاج والأسواق.
قامت المرحلة الصناعية الحديثة الأولى على الفحم والبخار كمصادر للطاقة المستخدمة في الصناعة، وكانت قاطرات السكة الحديدية هي وسيلة النقل الأساسية، واستخدمت البرقيات اللاسلكية في إدارة سلاسل الإمدادات والإنتاج.
أما المرحلة الصناعية الحديثة الثانية فقد قامت على النفط والغاز كمصادر طاقة، ليست كبديل ولكن إضافة إلى الفحم والبخار، والسفن الضخمة والطائرات كوسائل نقل أساسية إضافة للسكك الحديدية أيضا، والهاتف كوسيلة إدارة لسلاسل الإمدادات والإنتاج إضافة للبرقيات التي لم تلغى هي أيضا.
في المرحلة الصناعية الجديدة وهي الثالثة، يريد العالم الغربي أن يدخل مصادر طاقة جديدة ليس لتنضم لمصادر الطاقة القائمة ولكن لاستبدالها، وهنا تكمن معضلة وهي أن النفط والغاز بسبب جدواهما الاقتصادية وانخفاض تكاليفهما نسبيا لن يسمحا لمصادر الطاقة الجديدة أن تأخذ مساحتها التي تريد سواءا كانضمام للمصادر القديمة أو كبديلة لهم.
الزخم الحاصل على مصادر الطاقة الأحفورية سيزداد شراسة، وسيأخذ حيزاً واسعا ومتسارعا خاصة على الساحة الاجتماعية، مما يستدعي بالضرورة إلى إقامة حروب مؤسسية وإعلامية ممنهجة على المنتجين وتشويه سمعتهم، وهذا ما سنكمل الحديث فيه في مقالة الأسبوع القادم بمشيئة الله.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال