الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
ترددت في الثلاثة أعوام الماضية أخبار استحواذ شركات خليجية مالية وصحية على منشآت طبية سعودية. وكان آخر تلك الاخبار ما نُشر الأسبوع الماضي من توقيع شركة مالية خليجية مذكرة تفاهم للاستحواذ على عدة مستشفيات ومراكز طبية في المملكة العربية السعودية. فلماذا الآن؟ ولماذا السعودية؟ ولماذا في قطاع الخدمات الصحية بالتحديد؟
تكمن الإجابة – من ناحية – في الحِراك الذي تلى إعلان الرؤية السعودية 2030، والتي كان من أبزر ملامحها تطوير النظام الصحي القائم لما يكفل تحسين مخرجاته المقدمة للمواطنين واستدامتها على المدى البعيد. ومن ناحيةٍ أخرى، النجاح المستمر لنظام التأمين الصحي التعاوني الإلزامي والمُطبق على موظفي القطاع الخاص منذ مطلع العقد الماضي.
لفهم ارتباط نوعية النظام الصحي في بلدٍ ما، مع موازين العرض والطلب التجارية، لابدَّ من سرد العناصر الرئيسة المكونة للأنظمة الصحية. ومن أبرز تلكم العناصر؛ مقدمي الخدمة (هل المنشئات الطبية حكومية ام خاصة؟)، جهات التمويل (من أين تأتي الأموال؟)، وجهات الشراء (من يقوم بشراء الخدمة من مقدميها؟). ففور تأسيس تلك المنظومة بشكل يكفل خدمة المستفيدين ويتوافق مع حاجاتهم الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، فذلك يُعدُ ضمانة لبيئة كفيلة بدعم حركة التبادل التجاري وتغطية الخدمات واستيفاء الحقوق.
إن ما يحدث في الدول النامية التي لا يتوفر فيها نظام صحي ناضج هو خلاف ما ورد أعلاه تماماً. فشمولية الخدمات (أن يتم تغطية كل الأمراض)، وعموميتها (أن تكون مكفولة للجميع) ليست متحققة مما يخلِّف فئات لا تتحصل على العلاج بسبب عدم مقدرتها على الدفع. ولذلك، تعمل الدول المتقدمة، وباستغلال كافة الموارد، على تحقيق تلك العدالة الإنسانية من خلال انشاء وتطوير أنظمتها الصحية من خلال تخصيص جزء من ميزانياتها واقتصادها لتحقيق ذلك.
فبحسب التقرير الإحصائي لصحة العالم للعام 2019 والصادر عن منظمة الصحة العالمية، يبلغ متوسط نسبة الإنفاق الصحي من اجمالي الناتج المحلي 8% في أوروبا، مقارنةً بـ 17.15 بالولايات المتحدة الأمريكية. بينما تٌقدر تلك النسبة في المملكة بـ 5.7%. كما يشكل نصيب الفرد من ذلك الإنفاق في السعودية بـ 1147 دولار أمريكي، مقارنةً بـ المتوسط الأوروبي البالغ 1990 دولار.
إن هذا الأرقام قد تعكس وجود هامش للزيادة في الانفاق الصحي بالمملكة العربية السعودية تمشياً ما توليه حكومتنا الرشيدة من تدعيم لرفاهية المواطن ورغد عيشه. فبحسب ذات التقرير المنشور أعلاه، فقد زادت نسبة الإنفاق الصحي سابقاُ من اجمالي الناتج المحلي بالمملكة بنسبة 33% ما بين العامين 2015 و 2019. وبحسب تقرير مجلس الضمان الصحي التعاوني للعام 2017، فقد زادت حصة التأمين الصحي من اجمالي سوق التأمين ككل من 50.5% بالعام 2016 الى52.1% بالعام الذي يليه، مصحوباً بزيادة مضطردة لأعداد المؤمن عليهم.
إننا إذا ما ربطنا ما ذُكر أعلاه، مع ملامح النظام الصحي الجديد سندرك سبب النماء المتوقع للقطاع الصحي في الفترة القادمة. فبحسب وزير الصحة وما ذكره من تحويل المستشفيات الحكومية الى شركات ذات الطابع الخاص (كمقدمي خدمة) وبأن الحكومة (جهات التمويل) هي من ستقوم بدفع تكاليف علاج المواطنين من خلال مركز تأمين وطني (جهة شراء الخدمة)، فذلك يشابه نموذج التأمين الصحي الوطني (National Health Insurance)، والمطبق في دول مثل كندا وتايوان. ويشترك هذا النظام مع نظام التأمين الاجتماعي (Social Health Insurance) والمطبق في دول مثل المانيا وفرنسا، بأن كليهما يشتركان في تقديم الخدمة من خلال مظلة القطاع الخاص. يأتي ذلك من بعد الإعلان بالعام ٢٠١٧ عن تشكيل شركة قابضة تحوي شركات مناطقية تملك المنشئات الصحية الحكومية. كما يتشارك النموذج ذاته مع نموذج الخدمات الصحية الحكومية (National Health Services) والمطبق في المملكة المتحدة، بأن جهة التمويل هي الحكومة، كما هو معمول به لدينا.
لقد نصت الرؤية على المشاركة مع القطاع الخاص في تحقيق أهدافها بما يزيد من ازدهار الاقتصاد، ويحقق رفاهية المواطن على حدٍ سواء. ولعل من أبرز مخرجات برنامج التحول الوطني هو ما تم ويتم من تطوير في المنظومة الصحية مع ترسيخ الشراكة مع القطاع الخاص وتفعيل دوره التنموي. الأمر الذي تم إيضاح ركائزه الصحية من الناحية التنظيمية أعلاه. بالإضافة لتمكين مشاركته في تقديم بعض الخدمات الصحية مع الشركات الحكومية، وربما الإسهام في تغطية بعض المناطق الجغرافية، او تقديم الخدمات الصحية للزيادة السكانية المتوقعة في المدن، والمصاحبة لمؤشرات الرؤية من خلال نظام التأمين الصحي التعاوني.
وإن ما نراه من اهتمام مالي في القطاع الصحي، إنما هو من نتاج هذا الحراك الوطني المبارك ودلالة على نضح طرحة، ومصداقية مستهدفاته.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال