الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
المتتبع لإصدارات المملكة العربية السعودية من الدَّيْن العام؛ يلحظ أنها اتخذت طابعًا متسارعًا منذ تأسيس المركز الوطني لإدارة الدَّيْن العام في أواخر عام 2015م، والذي من أبرز أهدافه استدامة وصول المملكة لمختلف أسواق الدَّيْن بالعالم. من أهداف المركز كذلك – كما نص التنظيم – هو تعزيز سياسة الدَّين العام بالمملكة، وتطوير الأدوات والمنهجيات لسداد الدين العام، وكذلك اعتماد مؤشرات ومعايير قياس أداء لمستويات الدين العام.
إصدارات الدَّين تلعب دورًا رئيسيًّا لتغطية عجز الميزانية واحتياجات المملكة دون الحاجة بالضرورة إلى استنزاف الاحتياطيات أو الاستثمارات، مما يساعد على ضمان استدامتها.
أدعوكم في هذه المقالة أن نستعرض أبرز النقاط التي تتمحور حول الدَّيْن السيادي بالمملكة العربية السعودية، والجوانب الخاصة باستدامته حسب أفضل الممارسات، ونناقش تلك المتعلقة بتوصيات صندوق النقد الدولي لتحليل استدامة الدَّين العام (Public Debt Sustainability Analysis) وإطار عمله.
توقعات الاقتراض لعام 2020م (حسب خطة المركز الوطني لإدارة الدَّين) كانت تشير إلى 120 مليار ريال، ولكن بسبب ظروف الجائحة فقد تمت إضافة 100 مليار ريال لهذا الرقم ليصبح 220 مليار ريال، والذي يعني نمو الدَّين بنحو 26% عند مقارنته بالعام الذي يسبقه. بلغ الدَّين العام للمملكة قرابة 901 مليار ريال حتى نهاية الربع الأول من عام 2021م مع إصدارات تقرب من 50 مليار ريال خلال نفس الربع، ومع نهاية العام سوف يحل (ولأول مرة للإصدارات الدولارية) أجل استحقاق الإصدار بقيمة 5.5 مليار دولار.
وحسب توقعات وزارة المالية حاليًا؛ فإن الدّين العام سيفوق الترليون ريال خلال العام القادم، ومع ذلك فهذا يعني أن الدولة ستقترض بوتيرة أقل بكثير من السابق وذلك خلال العام الجاري والقادم والذي يليه. هذه التطلعات تأتي متماشية مع الخفض المتوقع لعجز الميزانية ليصل إلى 0.4% من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية عام 2023م.
نجحت المملكة بإدارة الدَّين خلال السنوات السابقة، سواء من ناحية حجم الإصدارات أو التسعير أو آجال الاستحقاق الممتدة أو حتى الإقبال المتزايد على الإصدارات. نذكر هنا إصدار الدين بعملة اليورو الذي تم ولأول مرة في عام 2019م، واستمرت الشهية لدى المستثمرين في أوروبا حتى تم إصدار تاريخي آخر بنفس العملة مع مطلع هذا العام؛ لتكون أكبر شريحة أصدرت بالعائد السلبي خارج دول الاتحاد الأوروبي. ومع هذه الهيمنة والأسبقية لجذب المستثمرين من جميع أنحاء العالم يجب أن نقف قليلاً، ونناقش جوانب جوهرية حول موضوع مهم وهو “استدامة الدَّين العام”.
أولاً: هل لدينا تعريف واضح لمفهوم استدامة الدين العام؟ التعريف بحد ذاته معقد ولا يوجد إجماع عليه، ولكن إن أردنا أن نبسط المفهوم فنستطيع تعريفه بأنه مقدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها الحالية والمستقبلية من الديون دون اللجوء لسياسات غير مجدية أو ذات مخاطر عالية أو الوقوع في فخّ عدم القدرة على السداد. يركّز المحللون والمراقبون على دراسة قدرة الاقتصاد على النمو وتوقعاته بشكل يتسق (على الأقل) مع نمو الدين العام. هذا الأمر يشمل دراسة قدرة وكفاءة الاستمرار بالإصدارات، وإعادة تمويل الديون القائمة ودراسة المخاطر المرتبطة به. وإذا أخذنا تعريفًا عامًّا من منظوري الشخصي؛ فأستطيع القول: إن استدامة الدَّيْن تقتضي حفظ ثروة الأجيال القادمة منه، وتلبية احتياجاتها بشكل مستدام لازدهارها، وذلك من خلال استراتيجيات دين فعَّالة حاليًا لصرفه على الوجه الأمثل.
حسب دراسة قام بها صندوق النقد الدولي قبل الجائحة فإن نصف الدول ذات الدخل المنخفض كانت تُواجه تحديات جوهرية بالوفاء بديونها، وهذا الأمر ينطبق على العديد من الدول النامية كذلك. الآن ومع كل الحزم التحفيزية من الدول لاقتصاداتها بعد الجائحة فإن العبء والمخاطر المتعلقة بالاستدامة تتزايد بلا أدنى شك.
ثانيًا: هل الأمر حكر على الدَّين العام فقط أم أن هناك التزامات أخرى يجب احتسابها عند دراسة استدامة الدَّين العام؟ يجب ألا يكون تركيزنا منصبًّا على إصدارات الدّين فحسب، ولكن الموضوع يتعدى ذلك ليشمل جميع الالتزامات المالية على عاتق الحكومة، حتى وإن كانت تقع خارج نطاق الدَّين العام (Non-Debt Obligation). على سبيل المثال: تشهد مملكتنا تحولاً صحيًّا ومطردًا بخصخصة بعض المشاريع الحيوية هادفةً إلى تخفيف العبء عن الميزانية، وجعل بعض القطاعات أكثر كفاءة. ومن ذلك مشاريع الشراكة بين القطاع العام والخاص (Public Private Partnership)، والتي تنقل بعض الأعباء الرأسمالية التي تتكبدها خزينة الدولة إلى القطاع الخاص، ولكن توجد التزامات لصيقة وضمانات من الحكومة بالتعاقد مع القطاع الخاص للاستفادة من مخرجات هذه المشاريع، (لجعل مشاركة القطاع الخاص أكثر جاذبية بالمقام الأول). هذه الالتزامات يجب أخذها بعين الاعتبار؛ لأنها تشكل التزامًا صريحًا على الحكومة لمستحقات سيتم دفعها مستقبلاً. ولقياس هذه الالتزامات نستطيع على سبيل المثال احتساب القيمة الحالية لهذه الدفعات المستقبلية.
يجب كذلك الالتفات للشركات التابعة للدولة، والتي تقوم بإصدارات الدَّين، ولديها التزامات قائمة، وحيث إن هذه الجهات مملوكة للدولة؛ فيجب حصر هذه الالتزامات، والأهم من ذلك التنسيق مع هذه الشركات والجهات التابعة لضمها مع خطة الاستدامة، وهذا ما يحاول القيام به المركز الوطني لإدارة الدَّيْن من خلال حصر وتنسيق الإصدارات؛ لتفادي أيّ تأثير محتمل على استدامة الدَّين العام.
ثالثا: متابعة المؤشرات والمستهدفات المتعلقة بالدَّيْن العام. دأبت وزارة المالية على خلق شفافية حول حجم الدّين العام والنِّسب ذات العلاقة. عند قراءة تقرير الربع الأول لعام 2021م فسنجد أن حجم الدين العام كان عند حوالي 901 مليار ريال، وهو ما يعادل قرابة ثلث الناتج المحلي الإجمالي للمملكة العربية السعودية. في عام 2018م، أعلنت وزارة المالية عن تحديد سقف لهذه النسبة يعادل 25%، وكانت نسبة الدين آنذاك تشكل 19% فقط من الناتج المحلي الإجمالي. ولكن مع تفشي جائحة كورونا فقد تم رفع هذه النسبة إلى 50% كإجراء احترازي، ولا تنوي الدولة تجاوزها فضلاً عن الاقتراب منها.
يتبادر سؤال إلى الأذهان الآن: ما هي النسبة المثالية؟ الإجابة أعقد بكثير مما يظن البعض؛ حيث إن لكل دولة معطياتها، ولا توجد نظرية ثابتة للنسبة المثالية، والأمر لا ينطوي فقط على نسبة الدين العام من الناتج المحلي الإجمالي، بل هناك نِسَب وعوامل أخرى قد تكون أكثر أهمية. إذا رأينا اليابان على سبيل المثال فإنها من أكثر الدول استدامة للدَّين مع أن دَيْنها يُمثّل أكثر من 250% من الناتج المحلي الإجمالي، ولكن على الجانب الآخر نجد أن أوكرانيا أفلست ونسبة الدَّين فقط 30%. ولذا فالأمر الذي يجب الإلمام به هو تفاصيل الدين ومكوناته، وهنا دعونا نأخذ أمثلة سريعة.
نصيب الديون الداخلية والديون الخارجية السيادية من إجمالي الدين:
حسب أرقام نهاية الربع الأول من عام 2021م؛ فإن 57% من محفظة الدين مُقوَّمة بالريال، في حين أن 43% تُمثل دينًا خارجيًّا جُلّه مُقوّم بالدولار (مع نسبة ضئيلة باليورو)، مما يعكس حجم الإقبال الكبير على أدوات الدَّين التي تصدرها المملكة خارجيًّا، وفي أسواق مختلفة، وهو عامل مهم للإبقاء على مستويات صحية للسيولة الداخلية. ولكن مع هذه الإيجابيات فإن الإصدارات الخارجية تُعتبر أكثر تحديًا من حيث استدامة الدَّين؛ فهي على سبيل المثال تُولّد مخاطر تقلبات العملة ومرونة أقل من ناحية إعادة هيكلتها عند الحاجة. وعليه فإنَّ إصدارات المملكة الخارجية يجب أن توازيها احتياطيات أو استثمارات تُقلّص من مخاطر تقلباتها، ليكون هناك عامل تحوط طبيعي من مخاطر السوق.
رصد نسبة الدَّين من الناتج المحلي الإجمالي والمؤشرات ذات العلاقة:
هذه النسبة التي تمثل ثلث الناتج المحلي حاليًا لا تهم بقدر ما يهم النمو الاقتصادي الذي يجب على الأقل أن يوائم أو يتجاوز نمو الدَّين العام على المدى المتوسط والطويل. عند النظر لميزانية المملكة التوسعية خلال السنوات القليلة الماضية، كانت هناك الحاجة لتغطية العجز باستمرار عن طريق إصدار أدوات الدين كداعم رئيسي، ومِن ثمَّ عن طريق الاحتياطيات. ولأن نسبة كبيرة من المصروفات كانت موجَّهة إلى مشاريع البنى التحتية والإنفاق الرأسمالي على برامج الرؤية فإن مثل هذه المصاريف (أو الاستثمارات الرأسمالية إن صح التعبير) مرشحة للانخفاض مستقبلاً، وستؤتي أُكلها شيئًا فشيئًا خلال الأعوام القادمة إن شاء الله مما سيساهم في زيادة الموارد المالية، والحفاظ على استقرار المالية العامة واستدامة الدين.
رابعًا: آجال إصدارات واستحقاقات الدَّين: من أكثر العوامل التي تهدّد استدامة أي دين هي الفجوة بين آجال الأصول والخصوم (Asset-Liability Mismatch)، على سبيل المثال، إذا كان متوسط أجل استحقاق الدَّين أقل من متوسط العائد على الأصول أو الإيرادات، فقد يخلق هذا الأمر أزمة “سيولة” تؤدي إلى اضطرار الحكومات إلى إعادة هيكلة الدَّين أو اتخاذ إجراءات غير مستدامة لتجاوز الأزمة مؤقتًا كأن تلجأ إلى إعادة تمويل الدين بشروط وأسعار غير مثالية أو بيع بعض أصولها بأقل من قيمها العادلة للوفاء بالتزامات الدين، مما يعد هدرًا لمقدرات الدولة، وتهديدًا لاستدامة الدين. يدور سؤال هنا. ما هو الدافع لبعض الدول لإصدار أدوات دين بآجال قصيرة؟ الإجابة تكمن بالجدارة الائتمانية للجهة المصدرة للدَّين ومتانة اقتصادها؛ حيث إن الإقبال سيكون ضعيفًا لأيّ جهة ترغب بإصدار دين طويل الأجل وملاءتها الائتمانية ركيكة (وتكون تكلفة الدين حينها مرتفعة جدًّا)، وبالتالي تكون الآجال القصيرة حلاً في متناول اليد.
واظبت المملكة على برنامج إصدارات دَيْن حقّق أرقامًا مميزة في آجال الاستحقاقات عامًا تلو الآخر؛ حيث تم إصدار سندات بأجل 40 عامًا. عند حساب معدل أجل الاستحقاقات سنجد أنه يقترب من العشر سنوات، كما في نهاية عام 2020م، متخذًا مسارًا تصاعديًّا منذ أن بدأ المركز إصدار أدوات الدَّين في عام 2015م. حتى إن المتتبع لإصدارات الريال وآجالها الممتدة يجد أن المركز الوطني لإدارة الدَّيْن يهدف إلى خلق منحنى عائد بآفاق زمنية طويلة، وهو ما سيساعد على تسعير وتقييم الأدوات المالية المُقوَّمة بالريال وتعميق السوق كمحصلة نهائية.
خامسًا: إطار شامل لإدارة الأصول والخصوم السيادية: مما لا شك فيه أن حَصْر وإدارة الأصول والخصوم وإنشاء الميزانية العمومية السيادية هو عِلْم قائم بذاته وتحدٍّ كبير، ولكن يُعتبر أحد الأركان المساعدة على استدامة الدَّيْن. ومن هنا تبرز أهمية العمل على إطار إدارة الأصول والخصوم السيادية (Sovereign Asset and Liability Management – SALM) وهو مشروع جبَّار؛ لأن المعطيات مختلفة تمامًا عن إدارة أو حصر أي أصول وخصوم أخرى. بطبيعة الحال فإن مثل هذا المشروع يتم انجازه على مراحل بدءًا من الأصول والخصوم التي في متناول اليد، وحتى الوصول إلى الفئات الأكثر تعقيدًا مما يتطلب تنسيقًا وتواصلاً فعَّالاً بين مختلف الجهات والمؤسسات الحكومية.
هذا الإطار سيمكّن الدولة من معرفة المخاطر والعوائد قبل إصدار الأدوات المالية، والأهم من ذلك تقييم كفاءة القرار قبل اتخاذه. ومن بشائر الخير هو إعلان وزارة المالية أواخر شهر مارس الماضي عن إطلاق النظام التقني لإدارة الخزينة وإدارة الدَّيْن. جميع هذه التطورات تصبّ في صالح خَلْق رؤية وتحكُّم أكبر للدَّيْن وإدارة مخاطره.
سادسًا: وكالات التصنيف الائتماني: من أهم النقاط وأكثرها حساسية هي المحافظة على التصنيف الائتماني المنشود والأمثل للدَّيْن. تقوم الوكالات الائتمانية العالمية بإصدار التصنيف الائتماني اعتمادًا على عدة معايير هادفة إلى تقييم الجدارة الائتمانية للدولة، وتقييم القدرة على الوفاء بالالتزامات الحالية والمستقبلية.
ومن أبرز هذه الوكالات: وكالة فيتش للتصنيف، ووكالة موديز لخدمة المستثمرين، ووكالة ستاندرد آند بورز، وتتشارك هذه الوكالات الثلاث بخبرتها العريضة في هذه الصناعة، وتنال ثقة قاعدة كبيرة من المستثمرين حول العالم. أي خفض أو ارتفاع بالتصنيف الائتماني أو في تفاصيله المختلفة يؤثر بشكل مباشر على شهية المستثمرين، وعلى تكلفة الدَّين. ولذلك حرص المركز الوطني لإدارة الدَّين على خلق الشفافية بخصوص الإصدارات ليتم تمكين هذه الوكالات والمستثمرين من التقييم الائتماني على أكمل وجه، ولكن نظرًا لأن الدولة بدأت ببرامج الإصدارات مؤخرًا فإن معدلات الإفصاح تتزايد شيئًا فشيئًا. والمتتبع لتقارير شركات التصنيف الائتماني يجد أنها تفنّد أسباب التصنيف، وتشير إلى المخاطر التي قد تؤثر على الجدارة الائتمانية والملاءة المالية سواء على المدى القصير أو الطويل.
من هذا الجانب فقد أعلنت وكالة موديز أواخر العام الماضي على تصنيف برنامج إصدار الصكوك السعودية عند درجة (Aaa.sa)، وهو أعلى درجات التصنيف الاستثمارية، ويساعد على تحقيق أحد أهم أهداف برنامج تطوير القطاع المالي لتعميق وتطوير سوق الدَّيْن محليًّا. ولكن يجب ألا نخلط بين هذا التصنيف المبني على المقياس المحلي (National Scale Rating – NSR) والتصنيف الأكثر أهمية لدَيْن المملكة على المقياس العالمي (Global Scale Rating – GSR)، والذي يقع حاليًا عند مستوى تصنيف (A1) مع نظرة مستقبلية سلبية.
ومع ذلك فقد ذكرت الوكالة أنه مع “وجود أدلة متزايدة على أن تصبح الإصلاحات الهيكلية الرامية إلى تقليل اعتمادية اقتصاد المملكة على عوائد النفط أكثر فعالية من السيناريو الأساسي، فمن المحتمل أن نعمل على مرّ الوقت على دَعم عملية رفع التصنيف”. الآن ومع نمو الدين إلى مستويات قياسية فيجب السعي إلى إبقاء درجات التصنيف في مستوياتها المطلوبة وتفادي أي خفض محتمل على الديون السيادية؛ لأن هذا الأمر يضغط على تكلفة الاقتراض وشهية المستثمرين، وبالتالي عرقلة مشروع استدامة الدين.
خاتمة:
يجب التركيز على التحديات والمخاطر الرئيسية للإبقاء على استدامة الدين، ومن أهمها: تلك المتعلقة باعتبارات حوكمة الشركات والمسؤولية الاجتماعية والبيئية (ESG). لا ننسى كذلك رفع حصة الإيرادات غير النفطية، والتي تصاعدت مؤخرًا لتكون قرابة 47% من إجمالي الإيرادات في عام 2020م، فمن المهم استدامتها. يجب أيضًا ذِكْر الجهود المبذولة لتوطين العديد من القطاعات خصوصًا التي توفّر نِسَب توطين عالية كالسياحة مثلاً. وأخيرًا، فإن الأذرع الاستثمارية المتمثلة بمؤسسات الدولة تُعد رافدًا مهمًّا لاستدامة الدين.
مشروع العمل على استدامة الدَّيْن يُعتبر شديد التأثر بعوامل كثيرة. ولذا فإن الأمر الذي يجب السعي إليه هو تفادي الوصول لنقطة عدم استدامة الدين؛ لأنه بمجرد أن يكون الدَّيْن قد وصل لهذه المرحلة؛ فهذا يُنْذِر بتحديات اقتصادية مثل الارتفاع المطرد بتكلفة الدين أو اللجوء لإهلاك الاحتياطيات بوتيرة عالية أو عدم استقرار سعر صرف الريال مقابل الدولار، أو ارتفاع مستويات التضخم بشكل كبير، وتزايد أعداد البطالة، أو إرباك خط سير المشاريع التنموية النوعية بالمملكة.
كل هذه النتائج لعدم استدامة الدَّيْن تأخذنا مباشرة لخفض التصنيف الائتماني. والوصول إلى رؤية مستقبلية حول استدامة الدين مع كل المعطيات والمتغيرات الاقتصادية وغير الاقتصادية أمرٌ ليس بالهين، وقد يستحيل اتباع معادلة معينة بهذا الجانب. ومع هذا التعقيد فقد قام صندوق النقد الدولي بتطوير إطار عمل لتحليل استدامة الدَّين العام، وهذا الإطار يتم تحديثه باستمرار من واقع خبرات البنك والتجارب من الدول الأخرى ليساعد على تحديد التوقعات لنسب الدين المناسبة وعمل اختبارات الجهد وتقييمات السيولة، واستشراف ضغوط الدين المحتملة قبل حدوثها.
خلاصة القول: إن جودة إنفاق الدَّيْن تتناسب طرديًّا مع استدامته. هذا يعني أن كل ريال يتحصل من الدَّيْن يجب أن يتم صرفه بكفاءة لضمان عوائده على المدى المتوسط والطويل، وإلا لتحوَّل الدَّيْن إلى عبءٍ قد تنتج عنه كرة ثلج تتعاظم مع كل إصدار تلو الآخر؛ رغبةً في إطفاء الديون القائمة وخدمتها.
إنَّ المُضِيّ نحو خَلْق دَيْن مستدام يحتاج عملاً دؤوبًا وجهودًا مضنية؛ لأن هذا المشروع لا يضم المركز الوطني لإدارة الدَّين فحسب (مع أهميته كقائد لهذا المشروع)، بل يشمل جميع كيانات الدولة؛ فتعاضدهم مفصليّ نحو إنجاح هذا الهدف المنشود. كلّ هذا سيساهم في رِفْعة وطننا الطموح نحو اقتصاد مزهر ومجتمع حيويّ.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال