الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
مع المحاولات لتجاوز أزمة كورونا هناك سباق محموم بين أسواق العالم لإعادة الثقة في مؤسساتها وقوانينها ولجذب رؤوس الأموال وبعث رسائل مطمئنة للمستثمرين. ولاشك تأتي قواعد حوكمة الشركات من أولويات تلك القائمة فلا يكاد تأتي أزمة اقتصادية إلا وتسمع الأصوات تنادي لإعادة النظر في ضبط سلوك من يدير الأموال عن غيرهم منذ آدم سميث والذي يعزو كثيرين الفضل له في إشعال فتيل ذلك. هذا الجزء الأول سيحاول تقديم لمحة عن بعض من أهم المقترحات التي تقدمت بها وزارة التجارة البريطانية تحت مسمى “إعادة الثقة في التدقيق وحوكمة الشركات” نتاجًا لعمل لجان مشتركة قدمت مرئياتها في بحر ٢٠٠ الصفحة لرفع مستوى قواعد الحوكمة البريطانية من خلال التأكيد على مسؤولية أعضاء مجلس الإدارة فيما يتعلق برفع كفاءة التقارير المالية, إلزام الشركات في الكشف عن مجموع كامل الأرباح المجمعة القابلة للتوزيع, توسيع نطاق الشركات الملتزمة بالقواعد الجديدة ولو لم تكن مدرجة, استقطاع أو حتى استرجاع المكافأت لأعضاء المجلس من خلال تضمين بنود للجنة المكافأت, مناقشة الوضع السلبي في احتكار ٤ شركات المعروفة باسم (Big 4) وطرح عدة خيارات مثل فكرة التشاركية في التدقيق, إلزام المدقق في الأخذ بنظرة مختلفة لمفهوم التدقيق أبعد من لغة الأرقام لتعزيز من شفافية التقارير المالية حتى الأخذ في الحسبان تصرفات أعضاء المجلس وغيرها من المقترحات التي تراها الوزارة مهمة جداً لاسيما بعد الأحداث المؤسفة للشركات البريطانية ومؤخراً السقوط المروع للشركة الألمانية “Wirecard” ,كما يذكر الوزير البريطاني في المقدمة.
كبداية لتعزيز فعالية الرقابة التنظيمية على التقارير المالية والمحاسبية والحوكمية, سيتم إنشاء هيئة جديدة ((ARGA تحل عن المجلس الحالي (FRC) تِمول بنسب تشاركية على ممن يلتزمون بقواعدها. وما يميزها هو الصلاحيات الواسعة الجديدة لها على الشركات المدرجة والشركات الكبرى البريطانية كم سنرى مثلا في هذا المقال كالطلب -بشكل مباشر- لتعديل تقارير الشركات المحاسبية في حالة كانت ملاحظات على تلك التقارير عوضًا عن طلب ذلك من المحكمة وهو الوضع الحالي, وهذا لا يعكس إلا رغبة من المشرع البريطاني في أن يكون لهذه الهيئة صلاحيات أقوى وحتى الذهاب ولو تلميحاً في حق هذه الهيئة تعيين شخص مراقب في الشركات كما سنرى, أو حق الموافقة المسبقةpre-clearance بالذات متى ماكان هناك أوضاع محاسبية جديدة ومعقدة جداً حتى يكون هناك ممارسة متعارف عليها.
وهناك المحاولة من المنظم البريطاني في التقارب ومماهاة قانون ساربينز اوكسلي ((SOX الأمريكي على وجه الخصوص في تعزيز مسؤولية وأدوار أعضاء مجالس الإدارة وتقوية المراجعة الداخلية للشركات خاصة في الحالات التي يكون هناك حجب الإدارة لمعلومات جوهرية للمدققين. فنرى هناك التزامًا جديد على الأعضاء في إعداد تقرير سنوي ونشر ما يسمى“Resilience Statement” ايضاح للسوق وللمساهمين تقييماً للمخاطر المحيطة بالشركة -قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى- والخطوات التي تمت لتداركها أو معالجتها. يبرر هذا الالتزام المنظم البريطاني إن المخاطر التي تحيط بالشركات تختلف تماماً عما كانت عليه في السابق فالاتجاه المفرط للاقتراض مثلاً يغير من المعادلة في كيفية النظر إلى الشركة وتزيد من التعارض في المصالح مما يحتم تنظيمها, وذلك التقرير يجب أن يكون مختلف ويناسب الطبيعة الخاصة لكل شركة والمخاطر التي تواجهها وتحدياتها.
وأيضا هناك توجه إلى إعادة النظر في مهمة التدقيق بعيداً عن لغة الأرقام فمثلاً على المدقق النظر في فعل وتصرفات الإدارة وغيرها من المعلومات المهمة خلال إعداد التقارير المالية أخذاً بأبعاد ونظرة أكثر شمولية تحت مسمى “Audit and Assurance Policy” فيهدف المنظم البريطاني من خلالها أن يكون هناك دورًا ومفهوم آخر أبعد من مسألة الاكتفاء بتدقيق القوائم المالية مثل النظر في تصرفات أعضاء مجالس الإدارة وتقديم المعلومات المهمة للمستثمر الحالي أو المستقبلي, الدائن …الخ ليس فقط بالنظر إلى الأرقام بل إلى روح الشركة, تصرفات التنفيذيين وأعضاء مجلس الإدارة. فبالنظر إلى مسؤولية المدقق الحالية -حسب قانون الشركات البريطاني- يرى المشرع انها تعجز في أن تعطي الصورة الكاملة عن الشركة وتغفل عن تقديم معلومات أخرى قد تهم المستثمر لا سيما إذا كان المجلس يرسل إشارات تفاؤلية مبالغ فيها, حيث يكون هناك الدور على المدقق في تحدي ذلك.
وحتى المشروع يقرر نظرة مختلفة في إعداد التقارير السنوية وتقديرات مدى نجاعة المراجعة الداخلية بشكل جوهري على كفاءة التدقيق وحتى السماح للمساهمين بطرح بعض المسائل مع لجنة التدقيق. حيث يعترف المنظم البريطاني بقصور كفاءة القواعد المنظمة للرقابة الداخلية البريطانية الحالية في ردع بالذات بعض الشركات البريطانية التي توسعت حجماً -عن طريق الاستحواذات- دون مراعاة وتضمين أدوات لتقوية الرقابة الداخلية بها. ويذهب المشروع إلى طرح عدة خيارات في كيفية رفع مستوى الرقابة الداخلية ومنها الإفصاح عن أي ضعف في الرقابة الداخلية, والأسس التي تم عليه معالجة النقص, وإلى مدى اطمئنان مجلس إدارة الشركة عن فعالية الرقابة الداخلية, بل في حالات معينة يتوجب على الشركة الاستعانة بمدقق خارجي في حالة فشل أنظمة الرقابة الداخلية أو كان هناك خلل في منظومة الشركة استمر لعدة سنوات. ولم ينتهي إلى هذا الحد بل حتى يدرك المدير المالي والمدير التنفيذي حجم المسؤولية الملقاة عليهم يقترح المشروع أن يقدما كلاهما تقريراً موقعاً منهما عن صلابة وفعالية الرقابة الداخلية يقدم إلى مجلس الإدارة, وعلى المجلس إعلان تلقيه ذلك.
وختامًا يجد القارئ هناك الشهية من المشرع البريطاني في توسيع نطاق الشركات التي ستلتزم بقواعد الحوكمة الجديدة عبر استهداف شركات كبرى غير مدرجة لأهميتها في الاقتصاد البريطاني مالم تستثنى للتشجيع على الإدراج في السوق البريطاني. ففي بعض التقارير التي أطلعت عليها قد يكون هناك مايقارب 2000 شركة قد يشملها القواعد الجديدة. ويطرح المشروع عدة معايير مقترحة كالنظر إلى عدد الموظفين أو إيرادات الشركة. بعبارة أخرى أما أن يكون عدد الموظفين أعلى من 2000 عاملاً أو دخل لها يتجاوز 200 مليون باوند أو تلتزم متى ما تجاوز عدد موظفيها ٥٠٠ عاملًا ولكن إيرادات أكثر من 500 مليون باوند حيث بالمعيار الأخير يهدف المشروع لدخول شركات تحت القواعد الجديدة. ولم يغلق المشروع البريطاني من إضافة مؤسسات أخرى كالجامعات أو المؤسسات الخيرية من الالتزام متى ما تجاوز مصادرها المالية 100 مليون باوند -وهو الوضع الحالي- لأهمية تلك المؤسسات.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال