مخاطر سلاسل التوريد والدروس المستفادة من الجائحة

الاستعداد والتأهب للمخاطر بكافة أنواعها تساعد على التخفيف من حدة الخطر عند حدوثه وكذلك تأثيره على مستوى الأفراد والأعمال، ويمكن أن نأخذ فيروس كورونا مثالاً على ذلك: حيث نلاحظ أن تأثيره لم يكن فقط على الصحة العامة وأعداد الوفيات المتزايدة بشكل دراماتيكي وإنما ظهرت كذلك اضطرابات كبيرة جدًا وغير متوقعة على سلاسل التوريد وكان ذلك واضحًا منذ بداية الأزمة – كما سنوضحه لاحقًا-. هذا الاضطراب جعل الشركات تعيد التفكير من جديد بنظام إدارة المخاطر لديها ومدى فعاليته، كذلك أصبح لديهم وعي ودراية ببعض نقاط الضعف التي لديهم في كيفية إدارة الأزمات والتي لم يكن ليكتشفوها لولا هذه الجائحة.

أدى إغلاق الحدود بين دول العالم والرقابة المشددة عليها إلى اضطراب وتعطل في سلاسل التوريد بشكل كبير جدًا وعلى نطاق واسع. كذلك أدى ارتفاع الطلب على بعض المواد إلى نقص عالمي. وعلاوة على ذلك، فقد أجبرت عمليات الإغلاق الصناعات والمصنعين على إغلاق متاجرهم في جميع أنحاء العالم مما أدى إلى خروج الكثير من الأعمال من السوق. وفقًا لدراسة نشرتها صحيفة Strategic Risk ، أفادت بأنه قد تعطلت سلاسل التوريد عالميًا بنحو 2000% بسبب الجائحة.

عدم وجود إدارة مخاطر مرنة للتعامل مع المخاطر الغير متوقعة وعدم الاستعداد لإدارة مخاطر الوباء قد يكون السبب وراء هذا الاضطراب الذي واجهته الشركات ومدى حدته. ولنكن منصفين .. هذه الجائحة وآثارها المتعددة هي حدث استثنائي لم تشهده الأجيال منذ عقود مما أدى – بديهيًا – إلى عدم تضمينه في خطة استمرارية الأعمال الخاصة بالشركات.

هذه الأحداث ستكون بمثابة درس قاسي على الشركات وذلك بأهمية التركيز على مرونة سلاسل التوريد والفهم الكامل للمخاطر المرتبطة بها، والأماكن الجغرافية للموردين التي تخدم أعمالها وصناعتها بشكل رئيسي في فترة COVID-19 وما بعدها.

وكأي مشكلة نتعرض لها في حياتنا العامة أو المهنية.. يتوارد على أذهاننا سؤال واحد: ماهي الدروس المستفادة من هذه الجائحة؟ أو ماهي الخطوات التي يجب على الشركات تبنيها لتفادي تعطل سلاسل التوريد مستقبلًا أو بمعنى أصح التخفيف من حدتها؟

1- يمكن للشركات تنويع قاعدة الموردين الذين تعتمد عليهم بشكل أساسي في صناعتها وذلك للتخفيف من المخاطر المرتبطة بسلاسل التوريد. هذا التنويع يضمن وجود أكثر من مورد واحد للسلع والخدمات الهامة، حيث أنه في حال لو تعطل أحد الموردين لا تتعطل أعمال الشركة. ولكن ينبغي هنا التنويه على أهمية اختيار موردين لديهم ملفات مخاطر متنوعة، حيث أن وجود موردين متعددين لا يحمي الشركات من مشاكل اضطراب وتعطل سلاسل التوريد لو كانوا معرضين لنفس المخاطر.

2- ينبغي على الشركات أتمتة عمليات التوريد (الاحتفاظ بنسخة رقمية من سلسلة عمليات التوريد الخاصة بها وكذلك نسخة من شبكة الموردين) وتحديثها باستمرار. حيث أن وجود شبكة معلومات جيدة الجودة وبصورة رقمية تساعد الشركات على سهولة الوصول إليها وتقييمها بسرعة وبفعالية من خلال استخدام بعض البرامج التي تركز على الفحص المستمر لسلاسل التوريد. هذا الفحص يكشف للشركات عن أي تعطيل أو اضطراب قد يلحق سلاسل التوريد الخاصة بها في مرحلة مبكرة حتى تتخذ إجراءات طارئة وسريعة قبل أن تتفاقم إلى مشاكل تكون خارجة عن السيطرة.

سلاسل التوريد قد تتعرض لمشاكل كثيرة ومتنوعة ليست بالضرورة مخاطر الوباء، بعضها يمكن التنبؤ بها وبعضها لا يمكن. كذلك بعض مشاكل سلاسل التوريد قد يكون تأثيرها غير حاد على الشركة وبعضها قد يؤدي إلى إنهائها تمامًا وخروجها من السوق.

ولكن.. من المرجح أن تكون مخاطر سلاسل التوريد على الشركات التي تتبنى نظام إدارة مخاطر فعال ومرن ويتعامل مع المشاكل بشكل استباقي أقل وأخف ضررًا.
وأخيرًا.. إن الاضطراب في سلاسل التوريد ليس غريبًا.. الكوارث الطبيعية وعدم الاستقرار السياسي وارتفاع الأسعار والمخاطر السيبرانية كلها تهديدات يتعين على قادة الأعمال الاستعداد لها، بخلاف الوباء الحالي.