الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
نظام التأمينات الاجتماعية يعتبر في الأساس من الأنظمة التي ترتب الحقوق العمالية لكنه يمتد لأبعد من ذلك كونه من الأنظمة التي تساهم في التوازن الاجتماعي وتحقق الاستقرار الأسري، والنظام في مبدأه يلزم أصحاب العمل بإشراك العاملين لديهم ويتيح الإشتراك الإختياري لأفراد المجتمع وأصحاب المهن الحرة.
عندما أقر النظام في نهاية الثمانيات هجري برعاية المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية لم يكن الإقبال على القطاع الخاص بنفس الحجم الذي نشهده اليوم والذي أصبح يقدم ما يقارب المليونين مشتركا لصالح المؤسسة ، مع توجه القوى العاملة الملحوظ للقطاع الخاص ، يضاف لها المنشآت الحكومية الحديثة التي تطبق نظام التأمينات الاجتماعية. برغم إننا نعيش موجة إصلاحية (غربلت) البنية التشريعية إلا إن نظام التأمينات ظل صامدا أمام قوة اندفاع هذه الموجة، وبحسب ما أعرفه فإن آخر تحديث على النظام كان قبل ما يزيد عن عشرين عاما وكان لصالح المؤسسة والذي أقر رفع نسبة الاستقطاع الشهري.
بما أن النظام أسس وأقرت بنوده في ظروف اقتصادية واجتماعية ومعيشية وتنموية بعيدة زمنيا عن واقعنا اليوم فإنه بلا شك جدير بالمراجعة والتطوير نحو التوافق مع النقلة الاقتصادية خلال هذه العقود و واقع سوق العمل والواقع المعيشي للمجتمع وما طرأ على حياتنا. سأحاول في هذا المقال الوقوف على معطيات النظام وربطها بالواقع الجديد ، مع يقيني بأن المؤسسة لديها الآلية التي تمكنها من الوصول لكل الإحصائيات والدراسات والبيانات التي تساعدها على فهم واقع وهواجس المشتركين والاتجاهات الاقتصادية والمؤشرات المعيشية والتنوع المهني وهي في مجملها معطيات تجاوزت نشأة النظام.
مدة التقاعد المبكر أو الإختياري تظل الهاجس الأكبر لدى مشتركي التأمينات. هذه المدة النظامية المقررة بـ 25 سنة عمل تفوق المدة النظامية لمصلحة التقاعد بخمس سنوات ، وهي تعطي الأفضلية للقطاع الحكومي وهذا بلا شك أحد الأسباب التي قد تعيق انضمام العاملين للقطاع الخاص. ربما كانت ملائمة في السابق عندما كان الإقبال على التوظيف في سن مبكرة إلا إن الواقع فيما وصلنا إليه اليوم أن الأغلبية ينضمون للعمل في عمر تقارب الـ 25 وربما أكثر إذا أخذنا في الحسبان مدة الدراسة والتدريب والبحث عن عمل. بلوغ المدة النظامية للتقاعد المبكر أصبح أمرا مرهقا للعاملين ويقترب من السن النظامية مما يفقد التقاعد المبكر جدواه وأهدافه ليصبح تحصيل حاصل مقارنة بالسن النظامية. لدى المؤسسة فرصة تخفيض هذه المدة لعشرين عاما من الإشتراك ، وقد تثير المؤسسة محاذيرها حيال الأفواج الذين ينضمون مبكرا قبل السن النظامية للعمل مما يعني أنها ستكون أمام موجة تقاعد كبيرة إلا أن لديها عدة خيارات لمعالجة هذه الثغرة من خلال ربط التقاعد المبكر بسن معينة أو إعتبار الإشتراك الفعلي من السن النظامية عند بلوغ الثامنة عشر.
المدة النظامية لكامل الإشتراك مقررة بتحقيق أربعين عاما من الإشتراك ، وهذا الرقم هو معامل القسمة في الحصول على معاش التقاعد. حسابيا يصعب على أي مشترك تحقيق هذه المدة من أجل الحصول على ما يعادل الأجر الكامل كمعاش للتقاعد. هذا الرقم يفترض أن يشترك العاملون قبل بلوغ العشرين عام وهذا مناقض لواقع وظاهر الحال. هذه المدة أصبحت خارج المعقول ، لم يعد لوجودها إرتباط بالواقع فهي مجرد رقم في معادلة التقاعد يلحق الضرر بالمشتركين ولا يستند على واقع علمي.
جانب آخر من معطيات النظام يتمثل في الحد الأعلى لأجر الإشتراك المقرر عند 45 ألف ريال ، وهو الحد الذي أقر في زمن يقد يكون هذا الأجر هو السقف المتوقع للأجور في ذلك الوقت . بالنظر لواقع سوق العمل لم يعد هذا الأجر سقفا أعلى ، بل متوسط الأجور وربما أقل، علما بأن مؤشرات الأجور مرشحة للصعود في السنوات القادمة. الكثير من المهنيين يصلون للسقف النظامي في سنوات مبكرة مما يعني أنهم يقضون أكثر سنوات الإشتراك بأجر ثابت. المأزق الذي سيواجهه كثير من مشتركي المؤسسة أن معاشات التقاعد ستهوي بشكل كبير مقارنة بأجورهم عندما كانوا على رأس العمل وهذا يخلق أزمة كبيرة لدى المشتركين بالنظر في التزاماتهم المالية التي ترتبت على مداخيلهم أثناء العمل، أو حتى استقرارهم المعيشي والأسري.
نشرت صحيفة مال قبل عامين تقريبا أن مجلس الشورى بصدد دراسة مشروع إقرار صرف بدل غلاء معيشة من قبل مؤسسة التأمينات الاجتماعية ، وهم مأجورين إن شاء الله ( المؤسسة ومجلس الشورى ) على هذه النوايا إلا أن نتائج الدراسة لم تظهر بعد. وبما أنهم بصدد المراجعة فإننا نقترح عليهم إضافة الجوانب المذكورة أعلاه وخير البر عاجله.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال