3666 144 055
[email protected]
سيكون من الصعب رؤية الدول المنتجة للنفط لا تتواصل مع العالم في ظل بركان إعلامي سيثور قريبا عليهم بحجة المناخ والبيئة، وإتماما لمقالة الأسبوع الماضي (المقال هنا)، كان السؤال هو عن كيفية مواجهة الدول المنتجة للنفط والغاز للحملات الإعلامية العاتية القادمة عليها، من خلال إعلام مؤسسي محترف قادر على الحوار مع عموم المجتمعات في العالم (خاصة في الغرب)، و من خلال التركيز على مجموعة مواضيع، من أهمها:
أولا، التعاون الوثيق مع الجهات التي تؤمن بتعدد مصادر الطاقة لأجل حياة متوازنة، والدعم الثري للأبحاث العلمية المتخصصة في كشف الجوانب الخفية لمصادر الطاقة المتجددة وما يمكن أن تسببه من انعكاسات سلبية على البيئة والمجتمع والاقتصاد وحتى العلاقات الدولية في حال كانت هي الوحيدة في المشهد كما يخطط له، وعرض نتائج هذه الدراسات ومن مرجعيات بحثية متنوعة حول البيئة والمناخ وما يسمى بالغازات الدفيئة على الجمهور.
ثانيا، إظهار أهمية الطاقة المتجددة كمصدر مُكمِّل مرن للطاقة الناتجة من النفط والغاز في دعم استقرار الشبكات الكهربائية وليس كبديل لها في العقود القادمة، لضمان منع أي تقلبات مؤثرة في إمدادات الطاقة وبالتالي تهديد موثوقية التوريد واستقرار الشبكات.
ثالثا، التأكيد على أن مصادر الطاقة المتجددة كمُكمِّل للمصادر التقليدية يمكن أن تؤدي إلى استخدام فائض الطاقة المتجددة المتغيرة (VRE) من الرياح والشمس لتغطية النقص في الطلب الصناعي، ومن ثمّ تقليل الحاجة إلى ترقية الشبكات التقليدية القديمة على المدى الطويل، وهذا يساهم بشكل كبير في تحقيق أهداف إزالة الكربون في القطاع الصناعي.
رابعا، للعمل على الوصول إلى عالم نظيف، فالعملية تتطلب تنفيذًا منسقاً لمجموعة متنوعة من الاستراتيجيات التكاملية لتخفيض الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية والبدء يكون بالفحم (الملوث الأخطر)، ويمكن للنفط والغاز أن يساهما في هذه المسألة، وهذا يعني أن هناك حاجة إلى تقييمات لأنواع الطاقة التي تعمل بشكل أفضل وفي أماكن مختلفة، وإلى قدر كبير من التخطيط من أجل التنفيذ الناجح، وتدرج في تغيير الكثير من التشريعات المنعكسة على أنماط الحياة والاقتصاد ولا يمكن إهمالها.
خامسا، التأكيد على توجه الدول المنتجة لتكاملية مصادر الطاقة وأنها مسألة حقيقية وواقعية، ويمكن للجميع أن يعمل في هذا الاتجاه، لذلك تستطيع الدول المنتجة أن تتقدم لكل العالم برسائل ذكية مفادها أنها تعمل – ومن إحساسها بالمسؤولية – في توريد ما يحتاجه العالم من نفط وغاز لازمين لضمان تكاملية مصادر الطاقة المتنوعة بغرض الانتقال نحو بيئة خالية من التلوث الكربوني.
سادسا، مهم للعالم أن يعي حقيقة أن النفط واستخداماته لن ينتهي، فالحاجة له ستكون ربما أهم في العقود القادمة لأنه يزداد تدخلا في كل مفاصل الحياة، ومؤهل أن يرتفع سعره وليس العكس، ومحاربته كما جاء في تقرير وكالة الطاقة الدولية الأخير سيؤثر على الاستثمار في أعمال المنبع مما يعني عدم القدرة على أن يقابل المنتج منه المتطلبات المستقبلية، وهذا يمكن أن يدخل العالم في أزمات اقتصادية.
سابعا، وربما الأهم وهو في كيف يمكن العمل على علاج ما هو مقلق للجميع متى ما أثبت علميا أنه بحاجة إلى مواجهة، فليس من المنطق ترك مجتمع ما أن يُجيّش ضد النفط – مثلا – بينما مشكلته هي مع الفحم، أو يُحشد ضد الغاز بينما مشكلته مع التلوث الناتج عن أعمال مناجم التعدين والتنقيب عن المعادن الثقيلة المستخدمة في أدوات مصادر الطاقة المتجددة والتي ستأخذ منحى شرس من قبل الدول الكبرى، أو مجتمع غير متنبه إلى أن نفايات الطاقة المتجددة من معادن ثقيلة وسامة ربما تدفن في أراضيهم، وربما هذا يساهم في تفسير جزء مهم من الاهتمام بقارة افريقيا خاصة من قبل الصين وروسيا والولايات المتحدة وفرنسا، فكثير من مكامن المعادن الثقيلة المستخدمة في أدوات الطاقة المتجددة توجد في باطن أرضها الثرية.
وكالة الطاقة الدولية، المنظمة التي وقفت في محاولة سابقة مع النفط الصخري الأمريكي ضد التقليدي في “أوبك” والتي من المفترض أنها منظمة دولية تراعي مصالح الجميع، يأذن تقريرها الأخير بحرب راديكالية ضد النفط والغاز التقليدي، وهي محاولة أخرى أكثر شراسة من خلال باب الطاقة المتجددة، وليس أمام الدول المنتجة – قبل ألا يسمح لها – سوى المبادرة الجادة من خلال إعلام مؤسسي وعلاقات عامة محترفة للعمل على مخاطبة المؤسسات والمجتمعات حول العالم لتحييد أو على الأقل للتخفيف من وطأة الحملة الشعواء القادمة عليهم، فبرامج الشيطنة المنهجية ضدهم ربما لن تقف عند أبواب النفط والغاز فقط.
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734