3666 144 055
[email protected]
الذكاء الاصطناعي من نتاج الذكاء الطبيعي، وانتاجية الأول تحركها لمسات وعقلية الثاني، والدول تتفوق على الدول بمخزونها وتراثها الفكري لا بمخزونها وميراثها المادي، فالثروة المادية بلا ثروة فكرية كالصيدة السمينة الراتعة في الفلاة الخصبة، منكشفة في ساعة من ليل أو نهار للانقضاض عليها، سواء من طرف لاعبي وهواة القنص والصيد مستخدمين اساليبهم النظامية لاستحقاقها، أو من جهة سباع ووحوش الغاب التي لا تُخضعها شريعة، قانونها الأغلب له الهيمنة وفرض واقع القرصنة ، تدير عقلية العالم في (90) دقيقة بلمسة إبهامها، وإن اتهمها العالم بأنها تائهة، إلا أنها ستفرض عليه الواقع بتحقيق هدفها بدقة متناهية.
أما كيفية معرفة ما لدى المؤسسات من رأس مال فكري من عدمه؟ فبقدر ما تمتلك رصيد من رأس مال فكري، يكون رصيدها من الذكاء الاصطناعي، وينكشف حجم المسألة في ساحة السباق والمنافسة مع قُرنائها، وهناك تكون الغلبة كماً ونوعاً، فالاستباق في التميز لا يكون وليد اللحظة، بل تتفاوت فيه المؤسسات عن المؤسسات على قدر استبقاء عقولها أو استقطابها، فمن كانت ميزانها للعقول أرجح من طفرة المال لديها، فإنها بهذا الترجيح تحقق الاستدامة المالية، حتى وإن كانت في غير ذي طفرة.
وصورة رأس المال الفكري كالمطر إذا أصاب أرضا ربوة صفراء خشعت وتحولت إلى روضة خضراء وأخرجت مخزونها المتنوع من كل نبات طيب، فرأس المال الفكري هو أصل أصول الثروة، وبزواله أو هجرة أدمغته تتبدد الثروات المادية ويُفلس القراصنة بمؤسساتها وتظل خاوية على عروشها.
ونلحظ أن المؤسسات التي أدركت ذلك، سارعت في رسم استراتيجياتها في استدامة رأس مالها الفكري فامتد عمرها إلى أجيال بعيدة لم تشهد مراحل تأسيسها، ومع ذلك شغوفه وتحتفل بجوائزها وفاء لمؤسسيها، وتحمل ذات الرسالة للجيل الأول، فأمتزجت الأصالة بالمعاصرة، فكان عودها أصلب وأورق، وثمرها أوفر وأبرك، وأخرى لم تعر اهتمامها لرأس مالها الفكري، أَفَلَتْ شمسها على أنقاض جيلها الأول.
فالعالمية للمؤسسات تدفعها السياسة التعليمية التي تنهل سمعتها من واقع مخرجات بحوثها العلمية، فوج يخلف فوج يستمد قوته من سلفه وتاريخه، وبهذا الإرث يُصنع التميز المؤسسي جيل بعد جيل، فتجدها تحتضن الموهوبين وتوطن العلم بالبراءات، وسمعتها طارت في آفاق العالم تستحق جدارة أن تتصدر تصنيف التقارير الدولية، الذي لم تتخذه شغلها الشاغل وتركن على بريقه المزيف، فيُلهها عن شغلها على رأس مالها الفكري، وبهذا قد ساهمت في اتساع السوق لمخرجاتها، بقوة فكرها ونشاط سمعتها، فطالبة التميز أولى لها أن تنفق ملياراتها على برامج نوعية تحتضن المعطائين والمبدعين من أبنائها الذين لم يقعدهم التقدم في العمر ويثنيهم عن العطاء، فهم خطّها الأساسي، لتستهدف بهم الصفوف الأساسية من التعليم، فتكتشف كل موهوب وموهوبة قد يكونوا مغمورين بسبب يتمهم أو إنشغال ذويهم بأوضاعهم المعيشية الصعبة، يضطرهم الانسحاب من التعليم في عمر مبكر قد لا تُعوض حقول التعليم بذورا مثل عقولهم، فاستباق البرامج لهؤلاء في وقت مبكر يفوق اكتشاف والتنقيب عن معادن الأرض الثمينة، وهذا هو السر الذي جعل دولا غنية وأخرى فقيرة، ولكم التصور في الفارق الشاسع في حجم الموارد الطبيعية لهذه وتلك، قد يكون موارد الأولى 11 مليون بقرة وأغرقت العالم بمنتجاتها، والثانية من مواردها 50 مليون بقرة وليس كل مواردها، وترزح تحت خط الفقر، فعن طريق سلامة توجيه مدخلات التعليم تكون جودته وفي النهاية تتطابق مخرجاته مع متطلبات سوق العمل، فالفقر والجريمة بريدهما الجهل، وبالمختصر هذه نتيجة كفاءة الإنفاق على التعليم، ولن تجد خريجا قد أسف وندم عند تخرجه لأنه سار على المسار الصحيح ودخل كليته التي يحبها ويعشقها، فبدل ما يكون اسمه معلق في قائمة البطالة، أصبح السوق يتشبث به ويستبقيه وهو لا يزال يتدفق عطاء وانتاجية، هواية لا وظيفة، ولا ينضب تدفقه، وعطائه لا ينقطع حتى وإن غابت شمسه عن الوجود.
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734