3666 144 055
[email protected]
تكلمنا في المقال السابق عن أهمية التكتلات الاقتصادية لأي بلد وباهتمام السعودية بدعم العلاقات التجارية مع دول الجوار وخاصة دول المجلس التعاون الخليجي.
هل المملكة العربية السعودية ملزمة بالدخول بتكتلات اقتصادية مع دول مجلس التعاون الخليجي؟.
واجهت دول مجلس التعاون الكثير من التحديات كونها جزء من الاقتصاد العالمي والتي تعززها ظاهرة العولمة في جميع المجالات مثل التحديات في الأمن الغذائي والمائي والتحديات المالية والاستثمارية والتجارية والتحديات المعلوماتية. يوجد تفسيرات وأبعاد مختلفة ومتناقضة لمفهوم العولمة ونأخذ منها لا الحصر، يرى الشيخ الشيرازي أن العولمة بمعناها الشمولي أعم من العولمة الاقتصادية فتشمل العولمة السياسية والثقافية والاجتماعية ويعرف الشيخ العولمة لغويًا بأنها إعطاء الشيء صفة العالمية من حيث النطاق والتطبيق. أيضا يرون مفكرين آخرين أن أصل مصطلح العولمة يرجع إلى المقولة المشهورة للمفكر الألماني ” هيجل” مفادها أن الدولة العالمية المنسجمة التي تنعدم فيها التناقضات الأيديولوجية وتطبق حقوق الإنسان كأسمى صورة للدولة العالمية الإنسانية. وآخرون ينسبونها إلى مصطلح الأمركة Americanization.
حدد الاقتصادي جاكوب فينر مراحل التكامل بين الدول في العالم إلى سبعة مراحل وهي 1) منطقة التجارة الحرة 2) الاتحاد الجمركي 3) السوق المشتركة 4) الاتحاد الاقتصادي 5) الاتحاد النقدي 6) الاندماج الاقتصادي الكامل 7) الوحدة السياسية (الصيغة الفدرالية). أغلب الدول والاتحادات لم تتجاوز السوق المشتركة وبالمقابل اعتمدت فقط على منطقة التجارة الحرة وطبعًا ماعدا الاتحاد الأوربي والذي نجح ووصل الى الاندماج الاقتصادي الكامل. بعض الدول اتجهت الى تطبيق واختيار مرحلة او مرحلتين مع بعض فقط وبإعتماد على عوامل عدة وظروف اقتصادية وسياسية واجتماعية لكل دولة.
عمل مجلس التعاون الخليجي على السعي إلى تكتلات اقتصادية منذ تأسيس المجلس عام 1981 بإنشاء منطقة التجارة الحرة ومن بعدها مرحلة الاتحاد الجمركي عام 2003 وبعدها مرحلة السوق الخليجية المشتركة وبعدها مرحلة الاتحاد النقدي المؤجلة لتكمل الصورة الاقتصادية. وتشير التقارير أن مؤشرات التكامل التجاري الخليجي ضعيف ومنخفض لإزالة العوائق والحواجز وذلك لعدم الاستفادة من عوائد صادرات النفط ويجب أن يتم بذل المزيد من الجهد في التنويع الإنتاجي من السلع والخدمات لزيادة مستوى التكامل الاقتصادي الخليجي. يجب على دول مجلس التعاون الخليجي العمل بجد ومواجهة التغيرات العالمية والاقتصادية والعمل بكفاءة وقوة ومنافسة مقارنة بالتكتلات الاقتصادية الأخرى حيث الآن لا يمكن أن تعمل وحيدًا مع المنافسة الشرسة الأجنبية والعولمة وفتح الأسواق بل يجب الاندماج مع تكتلات اقتصادية والعمل بواقعية للحصول على مزايا اقتصادية كبرى مقارنة بما لديك قبل الدخول مع الآخرين بتكتلات إقليمية.
الواقع يقول أن المملكة العربية السعودية لا تحتاج إلى الدخول في تكتلات اقتصادية مع دول الجوار حيث أنها هي الأكبر مقارنة بدول مجلس التعاون الخليجي الست في جميع العناصر سواء الجغرافية وحجم التجارة والنفط والثروة المعدنية والكثافة السكانية وحجم العمق الاقتصادي السعودي وعدد المستهلكين وحجم قوة العمل وكبر حجم السوق. لكن القائمين على السياسة والاقتصاد السعودي لديهم نظرة أبعد وأشمل للوضع العالمي حيث ان القيام بالتكامل الاقتصادي والاندماج الاقتصادي له أهمية كبيرة لمواجهة التحديات والنمو والتعاون والمشاركة والاستمرار بالمنافسة في ظل التكتلات العالمية بين الدول والتي تسعى فيه تحقيق التكامل الاقتصادي فيما بينها وتحرير التجارة من القيود للتوسع والتطور. وتسعى المملكة إلى دفع دول المجلس للأمام وكذلك انضمام العراق إلى المجلس والعمل على المراحل والخطوات الأساسية للاندماج والتكتل الاقتصادي للاستفادة من المزايا والمنافع حيث أنها سوف تشمل جميع أعضاء المجموعة. من ضمن هذه المزايا لا الحصر هو 1) اتساع حجم السوق 2) زيادة التشغيل 3) زيادة معدل النمو الاقتصادي 4) توسيع القاعدة الإنتاجية 5) تقليل المخاطر ورفع درجة الحماية للاقتصاد 6) إيجاد تعرفة جمركية موحدة 7) وضع سياسات تجارية موحدة 8) وضع سياسات موحدة تخص الزراعة والنقل 9) السعي الى عملة خليجية موحدة.
السعودية تسعى أن يكون التكتل الاقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجي من أقوى التكتلات العالمية من حيث القوة التجارية من حجم المبادلات العالمية والقوة الصناعية وكذلك الخروج بالمستقبل بعملة خليجية موحدة تنافس العملات الرئيسية وتسهل التجارة الخارجية والمعاملات الرسمية بين دول مجلس التعاون الخليجي والعالم وأيضًا رفع نسبة الصادرات البينية إلى إجمالي الصادرات بالعالم ومؤشرات اقتصادية اخرى.
دول مجلس التعاون الخليجي لديها المقومات أن تنافس أي تكتل عالمي حيث أنها نجحت في كل المقاييس الاقتصادية في تحقيق الإنجازات في عدة مؤشرات مثل مؤشر التنمية البشرية والإحصاءات التجارية وهيكل الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي حسب القطاعات الاقتصادية مثل القطاعات السلعية (الزراعة، الصناعات التحويلية، التشييد، الكهرباء والغاز والماء) والقطاعات الخدمية الإنتاجية (التجارة والمطاعم والفنادق والنقل والمواصلات والتمويل والتأمين والمصارف) والقطاعات الخدمية الاجتماعية (الإسكان والمرافق والخدمات الحكومي).
يوجد كذلك الثقل المالي حيث تمثل الصناديق السيادية الخليجية مراتب عالية وتمثل حجم40% من إجمالي أصول الصناديق السيادية على مستوى العالم وتتجاوز رأس مالها أكثر من 2.5 تريليون دولار وبجانب حجم الاحتياطيات.
ذكرت سابقًا أن من ضمن التكتلات الاقتصادية العالمية هي الاتحاد الأوروبي ومنطقة التجارة الحرة لدول أمريكا الشمالية ( النافتا) و تجمعات آسيا والباسفيك (ابيك) حيث أن هذه التكتلات تمثل الثقل الحاسم والقوة الاقتصادية بالعالم ولو استعرضنا النسب المئوية إلى العالم من حيث السكان نجد أن اليورو تبلغ 14.3% والنافتا تبلغ 13% والابيك تبلغ 56%. ومن ناحية المساحة نجد أن اليورو تبلغ 41.1% والنافتا تبلغ 22.7% والابيك تبلغ 12% ومن ناحية الناتج المحلي الإجمالي تقريبًا نجد منطقة اليورو تبلغ 37% ومنطقة النافتا تبلغ 31.9% ومنطقة الايبك تبلغ 22.4%.
لا ننسى تمتع أمريكا بطاقات هائلة سواء الصناعية او التكنولوجية وكذلك الثروات الطبيعية والقدرات المالية الكبيرة وكذلك القدرة البشرية. الامريكان لديهم قوة اقتصادية عظمى وبجانب التكنولوجيا لديهم جانب الطبيعة (جميع التضاريس لديهم) وجانب بشري (عدد السكان 328 مليون نسمة سنة 2019م وبجانب استقبال الملايين من المهاجرين سنويًا) وجانب تنظيمي وعلمي (التركيز على التنظيم الرأسمالي وأدى لظهور مؤسسات اقتصادية عملاقة، والاهتمام بالبحث العلمي) والجانب الصناعي (لديها مناطق صناعية كبرى رئيسية مثل منطقة الميكالوبوليس ومنطقة البحيرات الكبرى ومنطقة الجنوب (دالاس واطلانتا وهيوستون ونيوأوروليانس) ومنقطة الغرب الساحلي (لوس انجلوس وسان فرانسيسكو وسياتل). وبجانب هذا كله يعملون على عمل تكتلات واتفاقيات عالمية.
أخيرًا، يجب على دول مجلس التعاون الخليجي التفكير بالتكتلات الاقتصادية وخاصة في الوقت الراهن حيث هناك كتل عملاقة بالعالم وهي جزء من النظام الدولي الجديد القائم على حرية التجارة وتدفقات رؤوس الأموال المختلفة والعولمة. يجب أن يتم دعم العراق وتأهيله وتشجيع الاستثمار الخليجي في البنية التحتية والخدمية وتوسيع المجالات الاقتصادية في العراق. يجب العمل على أرض الواقع وتحقيق الأهداف للتكامل الاقتصادي بين دول المجلس والابتعاد عن الامنيات والنزاعات والعمل والتطبيق الفوري والعاجل للتعاون الاقتصادي بين الدول وإكمال صورة التكامل. لا ننسى أن هناك مضيق اسمه مضيق هرمز في الخليج العربي والسؤال هو: هل هناك أهمية لمضيق هرمز اقتصاديا لدى دول مجلس التعاون الخليجي؟
سوف نكمل عن هذه النقطة بالتحديد في المقال القادم .. دمتم بخير
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734