الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تحتوي المعاملات المالية على العديد من التصرُّفات في الأموال، والتي يجري كثيرٌ منها على مبدأ الأمانة، خاصةً في الميدان التجاري الذي يعتمد وجوداً وعدماً على الثقة.
ومن هذا المنطلق، فإنَّ هذه المعاملات تحتوي على شخصَيْن؛ الأول يُسلِّم المال على سبيل الأمانة للثاني، الذي يتوجَّب عليه التعامل مع هذا المال على أنَّه مال الغير؛ حيث يجب على المُؤْتَمَنِ التصرُّف بالمال كما يريد صاحب المال، وفي حدود ما منحه من صلاحياتٍ.
لكن ضعف الضمير قد يَدفَعُ الشخص نحو الاستئثار بالمال الذي سُلِّم إليه على سبيل الأمانة، ضارباً عرض الحائط بمبادئ النزاهة والثقة، ومُبادِلَاً الأمانة بالخيانة.
والمشكلة الحقيقية في هذه الجريمة، أنَّها تجري بطريقة “الغدر”، فمهما كان صاحب المال حَذِرَاً، إلاَّ أنَّه مُضطرٌّ لوجود بعض الأشخاص المؤتَمَنِينَ لديه؛ فالتاجر يحتاج إلى محاسبٍ، والمؤسَّسة تَحتاجُ إلى معتمدِ صرفٍ للرواتب، وهكذا.
بالتالي، فإنَّ تسليم الأموال للأشخاص المؤتَمَنِينَ لا يكون من باب قِلَّةِ الحذر أو الوقوع ضحية للاحتيال كما في جريمة النصب، بل إنَّ تسليم المال لهؤلاء يُعتَبَرُ أمراً ضرورياً لجريان العمليات التشغيلية في أيِّ مشروعٍ.
فإذاً، الفرق بين جريمة الاحتيال وخيانة الأمانة يتمثَّل في:
*طريقة وصول المال للمجرم؛ ففي الاحتيال يتمُّ تسليم المال بالاحتيال بعد خداع الضحية، بينما يقوم الضحية بتسليم المال بشكلٍ طبيعيٍّ لخائن الأمانة.
*وجود تصريح بالشخصية من المجرم، فالمحتال قد يتقمَّص شخصيةً وهميةً أو يَنتَحِلُ هوية شخصٍ آخر بغرض سلب مال الغير بالحيلة، أمَّا خائن الأمانة فهو يستلم الأموال بشخصيته المعروفة من الضحية، ثم يقوم بالجريمة.
بناءً عليه، فلا تَقِلُّ جريمة خيانة الأمانة خطورةً عن الاحتيال، هذا إذا لم نقلْ أنَّها أكثرُ خطورةً، لأنَّها تَفضَحُ نزوعاً إجرامياً جريئاً على القانون والنظام، كما أنَّها –في حال انتشارها- قد تضرُّ بسمعة العاملين في مجال المحاسبة ومعتمدي الصرف، وهو ما يعكس صورةً سلبيةً عن بيئة الأعمال، ويرخي بظلالٍ قاتمةٍ على الوسط التجاري.
ولهذا، فقد تنبَّه نظام مكافحة الاحتيال وخيانة الأمانة لعام 1442هــ لهذه الجريمة، وجاء نصُّ التجريم كالتالي:
“يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز 3 سنوات، وبغرامة مالية لا تزيد على 3 ملايين ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين؛ كل مَن استولى دون وجه حق على مال سُلِّم إليه بحكم عمله أو على سبيل الأمانة، أو الشراكة، أو الوديعة، أو الإعارة، أو الإجارة، أو الرهن، أو الوكالة، أو تصرف فيه بسوء نية، أو أحدث به ضرراً عمداً، وذلك في غير المال العام” (م/2).
يمكننا تحليل أركان هذه الجريمة كالتالي:
الركن المادي:
*الاستيلاء دون وجه حقٍّ؛ أي نَقْلُ المؤتَمَن على ملكية المال الخاص إلى نفسه بشكلٍ غير مشروعٍ بالمخالفة لإرادة صاحب المال، وهنا لا يكون الاستيلاء على المال عنوةً أو بالحيلة، لكن يكون الاستيلاء بعد استلام المال بموجب طبيعة الوظيفة (مثل معتمد صرف الرواتب) أو بموجب طبيعة العلاقة التعاقدية (مثل الشراكة أو الوكالة، وما شابه).
*وفي جميع الأحوال، تخرج جريمة اختلاس المال العام من نطاق هذه الجريمة.
*التصرُّف بسوء نية، كأن يقوم المُؤتَمَنُ ببيع منزل الغير مرَّتين إلى مُشتَرِيَيْن بشكلٍ غير مشروعٍ، في الوقت الذي كان المُؤتَمَنُ مُوكَّلاً ببيع المنزل لشخصٍ واحدٍ كما تفرض الأنظمة.
*إحداث الضرر العَمْدِيِّ، كأن يقوم المستعير للعقار الزراعي، المؤتمن عليه، بملء العقار بالحجارة وغيرها من الأشياء التي تُعيِقُ تقليب التربة ونثر البذار والحصاد، ذلك بغرض الإضرار بصاحب الأرض الذي يُريدُ استعادة الأرض بعدما انتهت فترة الإعارة.
الركن المعنوي:
يُشتَرَطُ أن يكون الاستيلاء أو التصرف أو الإضرار قد صدر من المجرم عمداً، لكن لا يُشتَرَطُ أيُّ قصدٍ جنائيٍّ خاصٍّ؛ فلا يُشتَرَطُ مثلاً أن تكون غاية الشريك خائن الأمانة الإضرار بالتوازن المالي للمنشأة التي استولى على حِصَّة أحد الشركاء فيها، بل إنَّه قد يستمرُّ بالعمل وقد تزداد الشركة قوة، ورغم ذلك يعتبر الشريك المستولي على حصة شريكه، خائناً للأمانة.
العلاقة السببية:
يجب أن يكون الاستيلاء أو التصرُّف أو الإضرار قد تمَّ بفعل خائن الأمانة، أمَّا إذا قامت أدلَّةٌ على أنَّ الأموال احترقت بغير عِلمِ المتَّهم مثلاً، أو أنَّ شخصاً آخر قد قام بسرقتها دون أية اشتراكٍ جرميٍّ بينهما، فلا يقوم التجريم حينئذٍ.
وبالمحصِّلة، فعلى الرغم من أنَّ النظام قد نوَّع في الأفعال الجرمية، وسهَّل قيام التجريم بعدم اشتِرَاطِهِ لركنٍ معنويٍّ خاصٍّ، إلاَّ أنَّ عقوبة هذه الجريمة قد تكون غير رادعةٍ.
حيث إنَّ:
*عقوبة جريمة خيانة الأمانة تقلُّ من حيث المدة القصوى للحبس عن جريمة الاحتيال (5 خيانة – 7 احتيال)، رغم أنَّ خطورة الخيانة في الأوساط المالية كانت تستوجب تساوِيَاً في العقوبة أو حتى تشديداً لحَدِّهَا الأعلى عن الاحتيال.
*عقوبة الحبس جاءت تخييريةً للمحكمة، حيث يحقُّ لها الجمع بين عقوبَتَي الحبس والغرامة، أو فرض إحداها؛ وهو ما يعني إمكانية فرض عقوبة الغرامة فقط على خائن الأمانة، وهذا لا يصبُّ في خانة الردع الجزائي المطلوب.
بناءً عليه، نقترح:
* تشديد عقوبة خيانة الأمانة، خاصَّة إذا كانت تنصبُّ على تعاملٍ تجاريٍّ من جهة.
*الجمع بين عقوبَتَي الحبس والغرامة بعد التجريم بشكلٍ دائمٍ من جهة أخرى.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال