الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
إن فهم سبب فقر بعض البلدان مقارنة ببلدان أخرى هو أحد أهم أهداف الاقتصاد. إحدى السمات البارزة للتنمية الاقتصادية هي عملية التحول الهيكلي، أي إعادة تخصيص الموارد بالنسبة للقطاعات التي تستهدف عملية التنمية. يعني التحول الهيكلي هو تحويل حركة العمالة والموارد الإنتاجية الأخرى من الأنشطة الاقتصادية منخفضة الإنتاجية إلى الأنشطة الاقتصادية عالية الإنتاجية. غالبا، الدول النامية التي في طور التحول الاقتصادي، تركز في مرحلتها الأولى إلى تنمية القطاع الزراعي، وبعد ذلك تنتقل للمرحلة الثانية وهي تطوير القطاع الصناعي والخدمات. وهذا أكثر ما يميز الدول الناجحة في التحول الاقتصادي، أنها لا تقف فقط على التركيز على جانب واحد فقط، وإنما تشحذ الهمم لتكون مصدر دخل لتنمية القطاعات المهمة الأخرى، ومن ضمنها الصناعة. بعضها يفشل عندما لا تستطيع تجاوز المرحلة الأولى، أو عندما تفشل حتى في تفعيل المرحلة الأولى، ولذلك هناك تجارب كثيرة لم تنجح في مجال التحول الاقتصادي. في هذا المقال، لست بصدد المقارنة بين دول نجحت في التحول ودول فشلت، وإنما في هذا المقال، استعرض تجربة الصين في هذا الجانب.
تعد الصين واحدة من الدول النامية القليلة التي تمكنت من تحقيق هذا النجاح في التحول الاقتصادي، حيث انتقلت من مجرد بلد زراعي ومركز تجميع صناعي في العالم إلى قوة اقتصادية، وذلك بفضل الحجم الهائل لسوقها الذي صنعته بنفسها. من أهمها مبادرة الطريق والحزام Belt and Road Initiative. هي إستراتيجية أطلقتها جمهورية الصين الشعبية وتسعى إلى ربط آسيا بإفريقيا وأوروبا عبر الشبكات البرية والبحرية بهدف تحسين التكامل الإقليمي وزيادة التجارة وتحفيز النمو الاقتصادي. تم صياغة هذه المبادرة عام 2013 من قبل الرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي استوحى الإلهام من مفهوم طريق الحرير الذي تم إنشاؤه خلال عهد أسرة هان قبل 2000 عام- وهي شبكة قديمة من طرق التجارة التي ربطت الصين بالبحر الأبيض المتوسط عبر أوراسيا لعدة قرون. ونتيجة لهذه المبادرة، بدأ العمل على إعادة هيكلة كل ما يتعلق بهذه المبادرة. صممت الصين سياسات واستراتيجيات مستهدفة من أجل تحولها الهيكلي. قامت ببناء اقتصادها الرقمي من الصفر بسياسة شاملة استهدفت جانبي العرض والطلب. وشملت هذه المبادرة بشكل كبير البنية التحتية للشبكة والحوسبة السحابية مراكز البيانات. ترافق ذلك مع استراتيجية لبناء نظام بيئي صناعي للإنترنت يتوافق مع التنمية الاقتصادية والاجتماعية الوطنية. كان لدى الصين 11 إجراءً محددًا بموجب سياستها التي استهدفت التكامل العميق للإنترنت مع الاقتصاد الحقيقي إلى جانب بناء المهارات الرقمية للمستهلكين. لذلك، اهتمت الصين ببناء قاعدة رقمية لتخزين البيانات. لذلك، وضعت قانونًا للأمن السيبراني ينظم تخزين المعلومات الشخصية والبيانات المهمة التي تم جمعها وإنشاءها داخل أراضي الصين، وضوابط نقل هذه البيانات عبر الحدود لاحتياجات العمل، والإجراء الأمنية التي يتم تطبيقها قبل عملية نقلها.
كما لعبت الإصلاحات المالية التي أجرتها الصين والقطاع المالي الذي انبثق عن هذه الإصلاحات دورًا خَاصًّا في تحفيز تراكم رأس المال والتنويع الاقتصادي. هذه الإصلاحات والانفتاح على العالم خلال السنوات الأربعين الماضية جعلت التجارة الخارجية والاستثمار الأجنبي قوة دافعة مهمة للتنمية الاقتصادية في الصين. كما لعبت سياسة الاستثمار دورًا مِحْوَرِيًّا في جذب الاستثمار الأجنبي وتنظيمه وتوجيهه للمساهمة الإيجابية في التنمية المحلية. كما ساعد نهج الصين الاستراتيجي لإدارة الديون والقدرة على تحمل الديون خلال عملية التحول الهيكلي على مدار الأربعين عامًا الماضية على تحقيق نمو مستدام. ساهم اختيار المشاريع الموجهة بشكل جيد- الذي يهدف إلى توسيع السوق وتوليد إيرادات من النقد الأجنبي- وإسناد المسؤولية عن اتخاذ القرارات المتعلقة بالديون والاستثمار إلى السلطات الحكومية المحلية في القدرة على تحمل الديون. أدى ذلك إلى تشجيع الابتكار، وصناعة كفاءات وطنية.
لا أحد ينكر ثقل الصين اقتصاديا في يومنا هذا. وهذا ما نهدف ونتطلع إليه نحن السعوديين، نسعى إلى أن نكون قوة اقتصادية عالميا. وهذا ما سيتناوله الجزء الثاني من هذا المقال في الأسبوع القادم، عن رحلة تحول المملكة لتكون قوة اقتصادية عالمية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال