الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
إضافة لمسألة مراحل الصناعة الحديثة الثلاث، وصعوبة مصادر الطاقة المتجددة في التواجد كما تريد في المرحلة الجديدة بسبب جدوى مصادر الطاقة الأحفوري خاصة النفط والغاز، كما جاء في مقالة الأسبوع الماضي (المقال هنا)، مهم أن ندرك بأن مصادر الطاقة المتجددة – من زاوية أخرى – وإن ساهمت في خفض التلوث الكربوني مقارنة بالفحم (الملوث الأكبر) وهي مسألة هامة، إلا أن مساهمتها في خفض مفصلي عالي عند المقارنة مع النفط والغاز تظل مسألة جدلية، خاصة عندما يهمل عامل دعم النفط والغاز لمصادر الطاقة المتجددة في تسريع تحجيم استخدام الفحم، وأيضا تعتبر مصدر قلق للتلوث الضوضائي والبصري الذي سينتج وأيضا فيما يتعلق بمصداقية وموثوقية استمرارية إنتاجها وكمية الطاقة المنتجة.
ولوحظ أن التنمر الإعلامي الحاصل على النفط والغاز لا يقابله نفس المستوى على الفحم – الذي يظهر في تقرير وكالة الطاقة الدولية تواجده في 2050 ضمن مصادر الطاقة – والذي تتجاوز انبعاثاته المساهمة فيما يطلق عليه بالاحتباس الحراري نسبة تتعدى 70% من مجمل الانبعاثات، والسبب في ذلك هو أن أوروبا وأمريكا الشمالية والهند والصين يعتمدون على الفحم بشكل كبير جدا، ويستثمرون فيه بشكل واسع ولا يمكن أن يجدعوا أنوفهم بأيديهم، لذلك نجدهم يذكرون الفحم ضمن ملف واحد مع النفط والغاز ولكن لا يقدموه كملف مستقل وبأولوية مطلقة، خاصة أن الفحم ليس هو العائق لدخول مصادر الطاقة المتجددة للساحة ولكن النفط والغاز المجديان اقتصاديا.
ومن الزاوية الاستثمارية، مازالت مصادر الطاقة الجديدة غير مجدية بسبب أنها تحتاج إلى استثمارات لا تقل عن 3 إلى 5 ترليون دولار بحلول عام 2030 بغية الوصول إلى مستوى الصفر الكربوني في 2050، ومتوسط عمر أدواتها التشغيلية في العموم لا يتعدى 25-20 سنة بعد عملية بناء تستغرق سنة كاملة على الأقل، وباستخدام المعايير الاقتصادية والاستثمارية لـصافي القيمة الحالية (NPV) ومعدل العائد الداخلي (IRR) ومعايير فترة الاسترداد (PBP) في تحليل الجدوى الاقتصادية، فإن السيناريوهات الناتجة لا تشجع إيجابا في دعم المسار التنافسي، والضغط الحاصل هذه الأيام على صناديق الثروات السيادية لزيادة استثماراتها في هذا التوجه مثال حي، وبالرغم من كل الضغوط إلا أن كثير من هذه الصناديق مازالت متحفظة حتى تتضح الرؤية وفي أي توجه والتي ربما تحتاج إلى عقد من الزمن.
أما من الزاوية التشريعية، فمصادر الطاقة المتجددة ربما لا تكون ناجعة في عديد من الدول الصناعية الكبرى في الوقت الراهن في وسائل النقل – على سبيل المثال – وتحتاج إلى وقت لبناء المزيد من وسائل النقل العام، وتحفيز نمو أساطيل الحافلات الكهربائية التي تعمل بخلايا وقود الهيدروجين والحافلات الهجينة الكهربائية، أو زيادة البنية التحتية الآمنة لركوب الدراجات والمشي، مثل ممرات مخصصة للدراجات وأرصفة وممرات مشاة وإشارات مشي وما إلى ذلك وهذا يعني إعادة رسم المدن.
وأمام ضغط وكالة الطاقة الدولية لمنع بيع السيارات التي تعمل بالوقود الأحفوري بحلول عام 2035، فالوقت المتبقي لا يخدم الحاجة إلى تشريعات عالمية عريضة في استخدام الحوافز والخصومات لتشجيع انتقال المركبات التجارية والشخصية إلى سيارات كهربائية تعمل بالبطاريات (BEV)، والحصول على تصاريح تركيب محطات الشحن الكهربائي في المواقف العامة والفنادق ومحطات مترو الضواحي وفي الشوارع وفي المرائب السكنية والتجارية، وإعادة تسعير الكهرباء حسب وقت الاستخدام لتشجيع الشحن ليلاً.
التنمر الشرس القادم ليس بالهزل، فكيف يمكن لمُصدِّري النفط مواجهة الحملة عليهم بكشف النوايا بشكل واقعي والدفاع عن المصالح المشتركة وإيضاح دورها في الحراك الجديد وتبيان أهمية تكامل مصادر الطاقة نحو عالم نظيف وبلغة علمية يفهمها العالم، هو ما سيُلقى عليه الضوء في مقالة الأسبوع القادم بمشيئة الله.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال