الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يرتكز مفهوم الاستثمار في أسواق المال على مبدأ حرية التداول، حيث تستند هذه الأسواق على الحرية في مجال تشكُّل السعر السوقي من التلاقي الطبيعي للعرض مع الطلب.
هذا التلاقي، يتطلَّب بشكلٍ دائمٍ وجود هامشٍ شبهَ مطلقٍ من الحرية التداولية، وبشكلٍ خاصٍّ في الأسواق السريعة والمُستمرَّة مثل البورصات؛ حيث يستطيع المستثمر تحديد نوع أمر التداول الذي يرغب بإرساله للبورصة عبر الوسيط المالي، وذلك عبر تحديد شروطه السعرية والكمية كما يرغب.
والسبب من وراء ضرورة وجود الحرية التداولية هذه، هو أنَّ المستثمر لن يستطيع تطبيق مُخطَّطه التداولي إذا لم يكنْ حرَّاً في اختيار الوقت والسعر والكمية، فهذه العناصر تُشكِّل أركان إرادة المستثمر والأدوات الوحيدة الحاسمة في إطار تنفيذ العملية التداولية.
لكن أسواق المال المُنظَّمة تخشى أن يستغلَّ المستثمر هذه الحرية، فيقوم بعمليات للتلاعب بالأسعار باستخدام هامش الحرية التداولية الممنوح له.
بناءً عليه، لا يمكن القول بوجود حريةٍ تداوليةٍ مطلقةٍ، بل هامشاً من الحرية المُنضَبِطَة في ظلِّ القواعد التداولية.
وفي سوق السوق المالية السعودية “تداول”، فقد أقرَّ مجلس هيئة السوق إجراءات التداول عام 2018، وتمَّ تعديلها عام 2020، حيث اعتمدت الإجراءات على أسعار التداول في تحديد أنواع الأوامر، فكان التركيز على الأمر مُحدَّد السعر (م/5-1) والأمر بسعر السوق دون تحديدٍ (م/5-2).
أمَّا بخصوص الشروط التي تمنح المستثمر مزيداً من الحرية التداولية، فقد أتاحت إجراءات التداول إرسال أمرَيْن بشروطٍ حاسمةٍ، وهما:
*أمر التنفيذ والإلغاء (Fill-and-Kill Order “FaK”)، وهو الأمر الذي يستخدمه المستثمر بغرض الحصول على أعلى كميةٍ مُمكنةٍ من التنفيذ.
فإذا كان المشتري يرغب بشراء 100 سهم على سعر 200 ريال، فيستطيع إرسال أمر FaK بغاية تنفيذ أكبر كميةٍ ممكنةٍ على طرف البيع، وهكذا قد يشتري المستثمر 50 أو 75 سهماً بهذا السعر وفق ظروف التداول.
*أمر التنفيذ أو الإلغاء (Fill-or-Kill Order “FoK”)، في هذا الأمر يكون المستثمر أكثر حزماً مع مُخطَّطه التداوليِّ، فهو لا يريد سوى الكمية التي ذكرها في شروط الأمر، وإذا لم تكنْ تلك الكمية متوافرةً، فلا يجوز للبورصة تنفيذ جزءٍ من الأمر حتى وإن كان ذلك متاحاً، بل يجب أن يتمَّ إلغاء الأمر كاملاً.
فلو كان المستثمر راغباً بشراء 100 سهم على سعر 200 ريال، فهنا يجب إلغاء الأمر بالكامل حتى وإن تواجد على طرف البيع 99 سهم بهذا السعر.
وبعد أن أتاحتْ سوق تداول هذَيْن الأمرَيْن، فقد قامتْ السوق بتوحيد القواعد المُنظِّمة للأمرَيْن؛ حيث سمحت بإصدارِهِمَا على سعر السوق أو سعرٍ مُحدَّدٍ، وحظرتْ إرسالِهِمَا خلال جلسة مزاد الافتتاح أو مزاد الإغلاق (م6-1).
وبإعادة النظر في قواعد هذَيْن الأمرَيْن، نجد الملاحظات التالية:
*الأوامر التي تتضمَّن شروط إلغاءٍ في أحوالٍ مُعيَّنةٍ تعتبر أوامراً حاسمةً؛ فهي لا تترك أيَّ وقتٍ مهدورٍ، فلا يسمح المستثمر بوجود أيَّ وقتٍ بين تغيُّر ظروف السوق وبين إرساله لأمرٍ آخر بغرض إلغاء أمره السابق، بل هو يُرسل شرط الإلغاء مع شروط السعر والكمية والزمن.
*الأوامر التي تتضمَّن شروط إلغاء قد تجعل المستثمر أكثر اندفاعاً في تحديد الكمية التي يرغب بها؛ فالمستثمر قد يتشجَّع على طلب كمياتٍ أكبر على اعتبار أنَّه يضمن تنفيذها على السعر الذي يريده كاملاً في أمر FoK، أو على الأقل جزئياً في أمر FaK.
*الأمر FaK يناسب المستثمرين صغار الخبرة في التداول، فهذا الأمر لا يترك مصير المستثمر مُعلَّقاً بالظروف المتلاحقة وفق مجريات التداول، بل يتمُّ إلغاء الأمر بشكلٍ فوريٍّ بعد تنفيذ أكبر كميةٍ مُمكنةٍ منه أو الكمية كاملة إذا سنحت الظروف.
8الأمر FOK يعتبر أمراً صعباً من حيث احتمالات التنفيذ، لكنَّه يُساعد المستثمر على اختيار الشروط التي يحلم بها لصفقة التداول من حيث السعر والكمية، خاصَّةً إذا اختار سعر السوق، فإذا لم يتمَّ تنفيذ أمره فيكون السبب هو عدم توافر الكمية المطلوبة كاملةً على طرف التداول المُقابل.
لكن سوق “تداول” السعودية تُعتبرُ من الأسواق السائلة، وهي ليست بحاجةٍ إلى شروط أوامرٍ عاليةٍ من حيث المعايير؛ فهذه الشروط تَخدِمُ مصلحة المستثمر أكثر من مصلحة السوق.
وهذا الأمر ينطبق بشكلٍ كبيرٍ على أمر FoK الذي يسمح للمستثمر الدخول في نظام التداول واقتناص فرصٍ كميةٍ وسعريةٍ كاملة، دون أن يمنح السوق أيَّ امتيازٍ إضافيٍّ عن باقي الأوامر.
والمسألة الأكثر حساسية هنا، تكمن في أنَّ المستثمر قد يحدد كمية كبيرة وبسعر يختلف عن سعر السوق ارتفاعاً أو انخفاضاً بشكلٍ جذريٍّ، في حدود القيود السعرية، وهذا يُساهمُ في تشكيل صدمةٍ سعريةٍ تكون السوق بغنىً عنها.
في هذه النقطة، قد يكون الأمر FoK عبارةً عن وسيلةٍ لتنفيذ مُخطَّط التلاعب بالأسعار عبر الأوامر الوهمية، حيث تساعد شروط هذا الأمر في تنفيذ الأوامر الوهمية الهادفة للإيهام بتحرُّك السعر دون الرغبة بتنفيذ تداولٍ حقيقيٍّ، وهي الممارسة التي حظرتها لائحة سلوكيات السوق (م/2-ب).
فالمتلاعب باستخدام FoK قد يَضَعُ سعراً يُساهمُ بتشكيل صدمةٍ سعريةٍ من جهةٍ، ويكون شبهَ ضامنٍ لعدم تنفيذه بالنظر إلى ابتعاد السعر الذي حدَّده في الأمر عن سعر السوق من جهةٍ أخرى.
بناءً عليه، كان من الأفضل أن تقوم سوق “تداول” بتنظيم أمرَيْ FaK وFoK بشكلٍ مختلفٍ، كالتالي:
*السماح بتحديد السعر لجزءٍ من الكمية بخصوص الأمر FaK، مع ضرورة أن يكون الجزء المتبقِّي بسعر السوق؛ وهكذا تكون فرصةً تنفيذه أعلى.
*السماح بإرسال أمر FoK بسعر السوق فقط؛ حتى لا يُشكِّل صدمةً سعريةً فوريةً من السعر المُحدَّد فيه،
*إلغاء أمر FoK بشكلٍ تامٍّ في ظروف الأزمة المالية أو التغيُّرات الحادَّة في أسعار السوق.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال