الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تَستَنِدُ الشركات التجارية والمهنية بالأساس على معنى التعاون والثقة؛ ذلك بغرض الاشتراك بما يَنتُجُ عن المشروع من ربحٍ أو خسارةٍ.
لذا، قد يترك بعض الشركاء المؤسِّسين العديد من المسائل التفصيلية دون النصِّ عليها في عقد الشركة، لثقته بشركائه، وعدم رغبته بعرقلة تأسيس الشركة.
لكن بعد توقيع العقد، وبدء العمل، تبدأ الإشكاليات الواقعية بالظهور أمام الشريك الذي تهاوَنَ بالحفاظ على حقِّه، فقد يجد أنَّ شركاءه يستغلُّون ثقته بهم، ويتجاوزن عن حقوقه.
فمثلاً، قد يكون أحد الشركاء في شركة التضامن مشارِكَاً بحصة عينية؛ أي بعقارٍ تتجاوز قيمته حصص الشركاء النقدية مجتمعةً، حيث يمنحهم العقار كشريكٍ حتى يُخفِّفَ عن الشركة أعباء الإيجار، وذلك إلى حين أن تستطيع الشركة امتلاك عقارٍ خاصٍّ بها.
ويكون هذا الشريك مالِك العقار راغِبَاً بمَنْحِهِ حقَّ التنازل عن حصَّته والخروج من الشركة إذا امتلكت الشركة عقاراً خاصَّاً بها، فيأخذ من الشركاء وعداً بذلك، لكن هذا الشريك قد يُخطئُ بأنَّه لا يُسجِّل ذلك الوعد على شكل بندٍ في عقد تأسيس الشركة، رغم أنَّ الاتفاق فيما بينهم كان على هذا الأساس، في الوقت الذي أتاح قانون الشركات النصَّ على قيود التنازل عن حصص شركة التضامن في عقد التأسيس (م/19-2 نظام الشركات).
فيما بعد، قد تُصبِحُ هذه المنازعات أمام المحاكم التجارية، ويكون أمام القاضي عقداً مكتوباً لا نقاش فيه، ويكون أمامه في نفس الوقت حقَّاً غير ظاهر يدَّعي به أحد الشركاء.
فإذا كان القاضي التجاري من القضاة المُجتَهِدِين، فلن يرتضي بالحقيقة الظاهرة من العقد، بل إنَّه سيستخدم صلاحيَّته في طلب استجواب أحد الخصوم، وهو ما أكَّد عليه مشروع نظام الإثبات الجديد (م/21-1 مشروع نظام الإثبات).
وهنا يقوم القاضي بمحاولةٍ لاستكشاف العدالة المخفية من وراء بنود عقد تأسيس الشركة، فيَسعَى القاضي إلى:
*توجيه أسئلةٍ مباشرةٍ للشركاء الذين يُنكرِونَ حقوق شريكهم بوجود بندٍ اتفاقيٍّ غير مكتوبٍ في عقد الشركة.
*محاولة التأكُّد من وجود الاتفاق الضمنيِّ غير المكتوب.
*إذا تبيَّن للقاضي من أجوبة الشركاء المدعى عليهم وجود مثل هذا الاتفاق صراحةً أو ضمناً، فيمكنه اعتبار ذلك إقراراً قضائياً من الشركاء (م17-1 مشروع نظام الإثبات)، وهذا الإقرار يُعتبرُ حجَّةً قاطعةً على الشركاء (م/18 نفس المشروع).
*يُصدرُ القاضي حكمه بتعديل عقد الشركة وفق ما كان عليه الاتفاق الأصلي، وهكذا يسمح للشريك مالك العقار بالتنازل عن حصَّته العينية.
ولكن، في الواقع، قد يحاول الكثير من المدعى عليهم في مثل هذه الحالات التغيُّب عن جلسة الاستجواب، خوفاً من انزلاقه في الحديث وتفسير كلامه على أنَّه إقرارٌ ضمنيٌّ منه بصحَّة دعوى خصمه.
ففي حالة غياب الخصم عن حضور جلسة الاستجواب دون عذرٍ مقبولٍ أو امتناعه عن الإجابة دون مُسوِّغٍ مُعتَبَرٍ، يكون للقاضي:
– استخلاص ما يراه، وهكذا بإمكان القاضي اعتبار الغياب أو الامتناع عن الإجابة ظرفاً في مصلحة المدعي؛ فمثلاً للقاضي بعد قيام هذا الظرف أن يُوجِّهَ اليمين المُتمِّمة للمدعي حتى يُكمِلَ دليله الناقص فيما يخصُّ حقوقه المالية (م/106-1 مشروع نظام الإثبات).
– القبول بشهادة الشهود والقرائن حتى في الأحوال التي لا تُقْبَلُ فيها مثل وسائل الإثبات هذه؛ وهكذا، بإمكان القاضي الحكم بتعديل عقد الشركة (تجارية أو مهنية) إذا توافرت الظروف التالية (م/22-2 مشروع نظام الإثبات):
*اعتبار امتناع الشركاء المدعى عليهم من حضور جلسة الاستجواب دون عذرٍ مقبولٍ، قرينةً على الإقرار الضمني منهم بصحَّة دعوى خصمهم. أو
*وجود إفادة شاهد على بنودٍ ناقصةٍ من عقد الشركة، فيُؤخذُ بهذه الإفادة لإثبات عكس الثابت بالكتابة في عقد التأسيس.
بناءً عليه، فإنَّ العمل القضائي يَستَلزِمُ في القاضي صفات الفَرَاسَة والاجتهاد والسعي الموضوعي لاستكشاف الحقيقة، وعدم الارتكاز على الحقيقة الظاهرية في شكل المستندات التي أمامه.
حيث إنَّ قواعد الإثبات لم تَفرضْ أفضليةً مُطلقةً للمستندات المكتوبة، بل إنَّ كثيراً منها قد لا يكون مُعبَّراً عن حقيقة عقود تأسيس الشركات، وهذا يُوجِبُ على القاضي تفعيل صلاحياته في نظام الإثبات بغاية الوصول إلى الحقيقة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال